للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: اسْقِنَا يَا سَهْلُ، فَأخرجْتُ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ. فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَهَبَهُ لَهُ.

٥٦٣٨ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: "رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا".

قَوْلُهُ: (بَابُ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ أَيْ تَبَرُّكًا بِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ دَفْعَ تَوَهُّمِ مَنْ يَقَعُ فِي خَيَالِهِ أَنَّ الشُّرْبَ فِي قَدَحِ النَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَبَيَّنَ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ، وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ. وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، لِأَنَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الصَّدَقَةِ هُوَ الْمَفْرُوضُ مِنْهَا، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُقْنِعٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ جِنْسِ الْأَوْقَافِ الْمُطْلَقَةِ، يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَتُقَرُّ تَحْتَ يَدِ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ سَهْلٍ قَدَحٌ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ آخَرُ، وَالْجُبَّةُ عِنْدَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ) هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ، وَلَامُ سَلَامٍ مُخَفَّفَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَلَا) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلْعَرْضِ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَتَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْجَوْنِيَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ نُونٍ فِي قِصَّةِ اسْتِعَاذَتِهَا لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ يَخْطُبُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ: فَنَزَلَتْ فِي أُجُمٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ هُوَ بِنَاءٌ يُشْبِهُ الْقَصْرَ، وَهُوَ مِنْ حُصُونِ الْمَدِينَةِ، وَالْجَمْعُ آجَامٌ مِثْلُ أُطُمٍ وَآطَامٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْأُطُمُ وَالْأُجُمُ بِمَعْنًى، وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: الْآجَامُ الْأَشْجَارُ وَالْحَوَائِطُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ: الْأُجُمُ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَجَمَةٍ وَهِيَ الْغَيْضَةُ.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ) لَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ مُرَادُهَا إِثْبَاتُ الشَّقَاءِ لَهَا لِمَا فَاتَهَا مِنَ التَّزَوُّجِ بِرَسُولِ اللَّهِ .

قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ) هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْبَيْعَةُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالْخِلَافَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: اسْقِنَا يَا سَهْلُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْقِنَا لِسَهْلٍ أَيْ قَالَ لِسَهْلٍ اسْقِنَا، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ: اسْقِنَا يَا أَبَا سَعْدٍ، وَالَّذِي أَعْرِفُهُ فِي كُنْيَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَبُو الْعَبَّاسِ، فَلَعَلَّ لَهُ كُنْيَتَيْنِ، أَوْ كَانَ الْأَصْلُ يَا ابْنَ سَعْدٍ فَتَحَرَّفَتْ.

قَوْلُهُ: (فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحَ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ.

قَوْلُهُ: (فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو حَازِمٍ الرَّاوِي عَنْهُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ) كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَئِذٍ قَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَتِ الْهِبَةُ هُنَا حَقِيقَةً، بَلْ مِنْ جِهَةِ