للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. قَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. قَالَ: دَعْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَا تُطِيقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي فِي الْآيَةِ بِالتَّقَلُّبِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الرَّاغِبُ، وَقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يُلْقِي فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ مُرَادِهِ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَوَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْهُدَى.

والْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي الْبَابِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ قَرِيبًا، وَقَوْلُهُ فِي السَّنَدِ: عَنْ سَالِمٍ هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَشَذَّ النُّفَيْلِيُّ، فَقَالَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: عَنْ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ سَالِمٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ.

والْحَدِيثُ الثَّانِي مَضَى فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ، وَيَأْتِي مُسْتَوْعَبًا فِي الْفِتَنِ.

وَقَوْلُهُ: عَبْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ تَرْجَمَةَ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِهَادِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْهُ بِهَاءِ ضَمِيرٍ لِلْأَكْثَرِ، وَكَذَا فِي إِنْ لَمْ يَكُنْهُ وَوَقَعَ فِيهِمَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِلَفْظِ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِالْفَصْلِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَمَنَعَ الْأَوَّلَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَا حَاصِلُهُ: مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْآيَةَ نَصٌّ فِي أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ قَلْبِ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يُكْسِبُهُ إِنْ لَمْ يُقْدِرْهُ عَلَيْهِ، بَلْ أَقْدَرَهُ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ، وَكَذَا فِي الْمُؤْمِنِ بِعَكْسِهِ، فَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ أَنَّهُ خَالِقُ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَقْلِيبُ قَلْبِ عَبْدِهِ عَنْ إِيثَارِ الْإِيمَانِ إِلَى إِيثَارِ الْكُفْرِ وَعَكْسُهُ، قَالَ: وَكُلُّ فِعْلِ اللَّهِ عَدْلٌ فِيمَنْ أَضَلَّهُ وَخَذَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ حَقًّا وَجَبَ لَهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمُنَاسَبَةُ الثَّانِي لِلتَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ: إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَا تُطِيقُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ وَيَفْعَلُ فَإِنَّهُ لَا يُقْدِرُكَ عَلَى قَتْلِ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ سَيَجِيءُ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ ; إِذْ لَوْ أَقْدَرَكَ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ انْقِلَابُ عِلْمِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

١٥ - بَاب ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ قَضَى

قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ بِمُضِلِّينَ. إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ

﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا

٦٦١٩ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ: كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾: قَضَى فَسَّرَ كَتَبَ بِقَضَى وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهَا، وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا. وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَيُعَبَّرُ بِالْكِتَابَةِ عَنِ الْقَضَاءِ الْمُمْضَى كَقَوْلِهِ: ﴿لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ أَيْ فِيمَا قَدَّرَهُ، وَمِنْهُ ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ يَعْنِي مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ،