أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْ عَقَارِ الْأَنْصَارِ عَنْهُمْ، فَلَمَّا فَهِمَ الْأَنْصَارُ ذَلِكَ جَمَعُوا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ: امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَتَعْجِيلِ مُوَاسَاةِ إِخْوَانِهِمُ الْمُهَاجِرِينَ، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُسَاعِدُوهُمْ فِي الْعَمَلِ وَيُشْرِكُوهُمْ فِي الثَّمَرِ.
قَالَ: وَهَذِهِ هِيَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا مَلَكُوا مِنَ الْأَنْصَارِ نَصِيبًا مِنَ الْأَرْضِ وَالْمَالِ بِاشْتِرَاطِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْأَنْصَارِ مُوَاسَاةَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، قَالَ: فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسَاقَاةِ فِي شَيْءٍ، وَمَا ادَّعَاهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا ; وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اشْتِرَاطِ الْمُوَاسَاةِ ثُبُوتُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لِسُؤَالِهِمْ لِذَلِكَ وَرَدِّهِ عَلَيْهِمْ مَعْنًى، وَهَذَا وَاضِحٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.
٦ - بَاب قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ
٢٣٢٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ.
لهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ … حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
[الحديث ٢٣٢٦ - أطرافه في: ٣٠٢١، ٤٠٣١، ٤٠٣٢، ٤٨٨٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ) أَيْ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ إِذَا تَعَيَّنَتْ طَرِيقًا فِي نِكَايَةِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ أَصْلًا، وَحَمَلُوا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا عَلَى غَيْرِ الْمُثْمِرِ وَإِمَّا عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ الَّذِي قُطِعَ فِي قِصَّةِ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْقِتَالُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِلْجَوَازِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَحْرِيقِ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِلْجَوَازِ لِأَجْلِ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْمَغَازِي بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَفِي كِتَابِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ.
وَ (الْبُوَيْرَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ، وَ (سَرَاةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَ (مُسْتَطِيرُ) أَيْ مُنْتَشِرٌ. وَأَوْرَدَ الْقَابِسِيُّ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ مَخْرُومًا بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنْ أَوَّلِهِ.
[٧ - باب]
٢٣٢٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا. وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ، وَقَدِ اسْتَنْكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ دُخُولَهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ: وَسَأَلْتُ الْمُهَلَّبَ عَنْهُ فَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَنِ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا وَيَغْرِسَ فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ: اقْلَعْ شَجَرَكَ عَنْ أَرْضِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَيَدْخُلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فِي