عَنْ أَبِي الْخَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَ عَمْرٍو مُعَلَّقَةً فِي الدَّعَوَاتِ وَمَوْصُولَةً فِي التَّوْحِيدِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الطَّرِيقَيْنِ طَرِيقَ اللَّيْثِ وَطَرِيقَ ابْنِ وَهْبٍ، وَزَادَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ رَجُلًا مُبْهَمًا، وَبَيَّنَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ ابْنُ لَهِيعَةَ.
قَوْلُهُ: (ظَلَمْتُ نَفْسِي) أَيْ بِمُلَابَسَةِ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ أَوْ يُنْقِصُ الْحَظَّ. وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرَى عَنْ تَقْصِيرٍ وَلَوْ كَانَ صِدِّيقًا: قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) فِيهِ إِقْرَارٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمَغْفِرَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الْآيَةُ، فَأَثْنَى عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ وَفِي ضِمْنِ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوَّحَ بِالْأَمْرِ بِهِ كَمَا قِيلَ: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ آمِرٌ بِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذَمَّ فَاعِلَهُ فَهُوَ نَاهٍ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: دَلَّ التَّنْكِيرُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ غُفْرَانٌ عَظِيمٌ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ، وَوَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ ﷾ مُرِيدًا لِذَلِكَ الْعِظَمِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْإِشَارَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَفْعَلُ هَذَا إِلَّا أَنْتَ فَافْعَلْهُ لِي أَنْتَ، وَالثَّانِي - وَهُوَ أَحْسَنُ - أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى طَلَبِ مَغْفِرَةٍ مُتَفَضَّلٍ بِهَا لَا يَقْتَضِيهَا سَبَبٌ مِنَ الْعَبْدِ مِنْ عَمَلٍ حَسَنٍ وَلَا غَيْرِهِ. انْتَهَى. وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ فَقَالَ: الْمَعْنَى هَبْ لِيَ الْمَغْفِرَةَ تَفَضُّلًا وَإِنْ لَمْ أَكُنْ لَهَا أَهْلًا بِعَمَلِي.
قَوْلُهُ: (إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) هُمَا صِفَتَانِ ذُكِرَتَا خَتْمًا لِلْكَلَامِ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَالْغَفُورُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ اغْفِرْ لِي، وَالرَّحِيمُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ ارْحَمْنِي، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ مُرَتَّبَةٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ طَلَبِ التَّعْلِيمِ مِنَ الْعَالِمِ، خُصُوصًا فِي الدَّعَوَاتِ الْمَطْلُوبُ فِيهَا جَوَامِعُ الْكَلِمِ. وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْحَدِيثِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ تَرَجَّحَ كَوْنُهُ فِيمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِظُهُورِ الْعِنَايَةِ بِتَعْلِيمِ دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَنَازَعَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فَقَالَ: الْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَيِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ صَحِيحٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي صَلَاتِي يَعُمُّ جَمِيعَهَا، وَمِنْ مَظَانِّهِ هَذَا الْمَوْطِنُ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمَّا عَلَّمَهُمُ التَّشَهُّدَ: ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ أَعْقَبَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِذَلِكَ.
١٥٠ - بَاب مَا يُتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
٨٣٥ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ: أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ السَّابِقَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute