للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي لِمَا سَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِنَحْوِ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَكَوْنُ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَنَامِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَيْضًا لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: تَوْهِيمُ الْمُهَلَّبِ لِلرَّاوِي وَهَمٌ مِنْهُ، وَإِلَّا فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى! لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ عِيسَى مُنْذُ رُفِعَ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ، وإِنَّمَا ثَبَتَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ. قُلْتُ: أَرَادَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّ عِيسَى لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ كَانَ كَالْمُحَقَّقِ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ: لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِالْحَجِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِذا انْحَدَرَ) كَذَا فِي الْأُصُولِ، وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَنْكَرَ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ وَغَلَّطَ رُوَاتَهُ، قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِذَا وَإِذْ هُنَا، لِأَنَّهُ وَصَفَهُ حَالَةَ انْحِدَارِهِ فِيمَا مَضَى. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّهَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْهُبُوطِ كَمَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصُّعُودِ.

(تَنْبِيهٌ): لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ بِذِكْرِ النَّبِيِّ ، قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُرَادٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقُولُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣١ - بَاب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ؟

أَهَلَّ: تَكَلَّمَ بِهِ. وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ: كُلُّهُ مِنْ الظُّهُورِ. وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ: خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ، ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وَهُوَ مِنْ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ.

١٥٥٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ. فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا واحدا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.

قَوْلُهُ: (بَابُ كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ)؛ أَيْ كَيْفَ تُحْرِمُ.

قَوْلُهُ: (أَهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ. . . إِلَخْ) هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ. وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ يَقَعُ بِذِكْرِ الشَّيْءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَهُوَ مِنَ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ)؛ أَيْ أَنَّهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِذَلِكَ، فَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالصِّيَاحِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَأُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَيْ رُفِعَ الصَّوْتُ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ لِلْأَصْنَامِ، وَمِنْهُ اسْتِهْلَالُ الْمَطَرِ وَالدَّمْعِ وَهُوَ صَوْتُ وَقْعِهِ بِالْأَرْضِ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الظُّهُورُ غَالِبًا.

قَوْلُهُ: (فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) قَالَ عِيَاضٌ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي إِحْرَامِ عَائِشَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ) هُوَ بِالْقَافِ وَبِالْمُعْجَمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) وَهُوَ شَاهِدُ التَّرْجَمَةِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِلَفْظِ: وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ