للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَحْدَهُ، وَكَذَا امْتِنَاعُ الْكَلَامِ فِيهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ؛ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِلْمَيِّتِ فَيَضِلَّ بِذَلِكَ. انْتَهَى.

وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهَا إِلَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: وَوَافَقَهُ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُرْغَبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ وَافَقَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبٌ شَاذٌّ، قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: وَفِي اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ - بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا الْبَابَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا صَلَاةً - لِمَطْلُوبِهِ مِنْ إِثباتِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ إِشْكَالٌ، لِأَنَّهُ إِنْ تَمَسَّكَ بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ عَارَضَهُ عَدَمُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ عَارَضَتْهُ الشَّرَائِطُ الْمَذْكُورَةُ، وَلَمْ يَسْتَوِ التَّبَادُرُ فِي الْإِطْلَاقِ فَيَدَّعِي الِاشْتِرَاكَ؛ لِتَوَقُّفِ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْقَيْدِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَسْتَدِلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَطْلُوبِهِ بِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا صَلَاةً، بَلْ بِذَلِكَ وَبِمَا انْضمَّ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِ جَمِيعِ الشَّرَائِطِ إِلَّا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ فِي حَذْفِهِمَا مِنْهَا، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: غَرَضُ الْبُخَارِيِّ بَيَانُ جَوَازِ إِطْلَاقِ الصَّلَاةِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ، فَاسْتَدَلَّ تَارَةً بِإِطْلَاقِ اسْمِ الصَّلَاةِ وَالْأَمْرِ بِهَا، وَتَارَةً بِإِثْبَاتِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الصَّلَاةِ نَحْوَ عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهَا، وَكَوْنِهَا مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةً بِالتَّسْلِيمِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَعَدَمِ أَدَائِهَا عِنْدَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَبِرَفْعِ الْيَدِ وَإِثْبَاتِ الْأَحَقِّيَّةِ بِالْإِمَامَةِ، وَبِوُجُوبِ طَلَبِ الْمَاءِ لَهَا، وَبِكَوْنِهَا ذَاتَ صُفُوفٍ وإِمَامٍ. قَالَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ذَاتِ الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَحْثَ ابْنِ رَشِيدٍ أَقْوَى، وَمَطْلُوبُ الْمُصَنِّفِ حَاصِلٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ بِدُونِ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ، بَلْ بِإِثْبَاتِ مَا مَرَّ مِنْ خَصَائِصِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥٧ - بَاب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ: مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ

١٣٢٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَقَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا.

١٣٢٤ - فَصَدَّقَتْ يَعْنِي عَائِشَةَ، أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. ﴿فَرَّطْتُ﴾: ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ) قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ مَا مُحَصِّلُهُ مَقْصُودُ الْبَابِ: بَيَانُ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مُسَمَّى الِاتِّبَاعِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْقِيرَاطُ. إِذْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ إِجْمَالٌ، وَلِذَلِكَ صَدَّرَهُ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَآثَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَلَى الَّذِي بَعْدَهُ - وَإِنْ كَانَ أَوْضَحَ مِنْهُ فِي مَقْصُودِهِ - كَعَادَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ لِيُبَيِّنَ مُجْمَلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مُسَمَّى الِاتِّبَاعِ فِي بَابِ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ، وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْبَابِ، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ هُنَاكَ كَيْفِيَّةَ الْمَشْيِ وَأَمْكِنَتَهُ، وَقَصَدَ هُنَا مَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّبَاعُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ هُنَا