للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: فَسَكَتَ الرَّجُلُ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى شَيْءٍ كَرِهَهُ. فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِلَّا صَوَابًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُهَا، أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ لَمْ يَعْرِفُوهُ بِعَيْنِهِ إِمَّا لِإِقْبَالِهِمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ؛ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ فِي حَقِّهِمْ، وَالْعُذْرُ عَنْهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِ لَهُ عَمَّنْ قَالَ أَنْ يَتَعَلَّمَ السَّامِعُونَ كَلَامَهُ فَيَقُولُوا مِثْلَهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِحْدَاثِ ذِكْرٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَأْثُورٍ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْمَأْثُورِ (١)، وَعَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مَنْ مَعَهُ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ اللَّهَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ (٢)، وَعَلَى تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ جَوَازَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ سَمَاعَهُ لِصَوْتِ الرَّجُلِ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَهُ لِصَوْتِهِ كَرَفْعِ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ، وَفِي هَذَا التَّعَقُّبِ نَظَرٌ، لِأَنَّ غَرَضَ ابْنِ بَطَّالٍ إِثْبَاتُ جَوَازِ الرَّفْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ سِرًّا، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الْمَشْرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا وَلَوْ كَانَ جَهْرًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُبَلِّغِ فِي بَابِ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ.

(فَائِدَةٌ): قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِهَذَا الذِّكْرِ أَنَّ عَدَدَ حُرُوفِهِ مُطَابِقٌ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَعَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ وَعَدَدَ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الزِّيَادَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى؛ وَهِيَ قَوْلُهُ: مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُتَبَادَرُ إِلَيْهِ هُوَ الثَّنَاءُ الزَّائِدُ عَلَى الْمُعْتَادِ؛ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: حَمْدًا كَثِيرًا إِلَخْ دُونَ قَوْلِهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لِلتَّأْكِيدِ، وَعَدَدُ ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي سِيَاقِ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى وَلِعَدَدِهَا أَيْضًا فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنْ عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٢٧ - بَاب الاطُّمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: رَفَعَ النَّبِيُّ وَاسْتَوَى جَالِسًا؛ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ.

٨٠٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ ؛ فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ نَسِيَ.

[الحديث ٨٠٠ - طرفه في: ٨٢١]


(١) هذا فيه نظر، ولو قيده الشارح بزمن النبي لكان أوجه، لأنه في ذلك الزمن لايقر على باطل، خلاف الحال بعد موت النبي فان الوحي قد انقطع والشريعة قد كملت ولله الحمد فلا يجوز أن يرادفي المبادات مالم يردبه الشرع. والله أعلم
(٢) هذا فيه تسامح، والصواب أن يقال لايجوز. لأن التشميت من كلام الناس. والمصلى ممنوع منه كما في حديث معاويةبن الحكم أنه شمت إنسانا، وهو يصلى وأنكر عليه الناس ولما فرغ قال النبي " إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس، الحديث أخرجه مسلم