للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النُّزُولِ فَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ وَذَكَرَ مَا عَدَا ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (فَوْرِهِمْ: غَضَبِهِمْ) ثَبَتَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ مِنْ وَجْهِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ وَحْشِيٌّ) أَيِ ابْنُ حَرْبٍ (قَتَلَ حَمْزَةُ) أَيِ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ) كَذَا وَقَعَ فِيهِ ابْنُ الْخِيَارِ وَهُوَ وَهَمٌ وَصَوَابُهُ ابْنُ نَوْفَلٍ وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ مَقْتَلِ حَمْزَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ جَمِيعُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ أَوْ مُعْظَمُهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ وَالْمُرَادُ بِالطَّائِفَتَيْنِ: الْعِيرُ وَالنَّفِيرُ، فَكَانَ فِي الْعِيرِ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ كَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ فِي النَّفِيرِ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مُسْتَعِدِّينَ بِالسِّلَاحِ مُتَأَهِّبِينَ لِلْقِتَالِ، وَكَانَ مَيْلُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى حُصُولِ الْعِيرِ لَهُمْ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ وَالْمُرَادُ بِذَاتِ الشَّوْكَةِ الطَّائِفَةُ الَّتِي فِيهَا السِّلَاحُ.

قَوْلُهُ: (الشَّوْكَةُ الْحَدُّ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ فِي كِتَابِ الْمَجَازِ: وَيُقَالُ: مَا أَشَدَّ شَوْكَةِ بَنِي فُلَانٍ أَيْ حَدُّهُمْ، وَكَأَنَّهَا اسْتِعَارَةٌ مِنْ وَاحِدَةِ الشَّوْكِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الشَّامِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ يُرِيدُهَا، فَبَلَغَ أَهْلَ مَكَّةَ فَأَسْرَعُوا إِلَيْهَا وَسَبَقَتِ الْعِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ اللَّهُ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَانُوا أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ وَأَيْسَرَ شَوْكَةً وَأَخَصَّ مَغْنَمًا مِنْ أَنْ يَلْقَوُا النَّفِيرَ، فَلَمَّا فَاتَهُمُ الْعِيرُ نَزَلَ النَّبِيُّ بِالْمُسْلِمِينَ بَدْرًا فَوَقَعَ الْقِتَالُ.

ثم ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ، وَسَيَأْتِي بطوله فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَمْ يُعَاتِبِ اللَّهُ أَحَدًا وَقَوْلُهُ فِيهِ: إِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ أَيْ وَلَمْ يُرِدِ الْقِتَالَ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ أَيْ وَلَا إِرَادَةَ قِتَالٍ. وَالْعِيرُ الْمَذْكُورَةُ يُقَالُ: كَانَتْ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَكَانَ الْمَالُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانَ فِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ. وَقِيلَ: سِتُّونَ، وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَتَخَلَّفْ إِلَّا فِي تَبُوكَ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنِّي حَضَرْتُ فِي جَمِيعِ الْغَزَوَاتِ مَا خَلَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، وَالسَّبَبُ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَسْتَثْنِهِمَا مَعًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَوْنُهُ تَخَلَّفَ فِي تَبُوكَ مُخْتَارًا لِذَلِكَ مَعَ تَقَدُّمِ الطَّلَبِ وَوُقُوعِ الْعِتَابِ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ، بِخِلَافِ بَدْرٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلِذَلِكَ غَايَرَ بَيْنَ التَّخَلُّفَيْنِ.

٤ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ