كُلِّ ثَمَانِيَّةِ أَيَّامٍ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ السَّبْعَةِ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: صُمْ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ عَشْرَةٍ. قُلْتُ: زِدْنِي، قَالَ: صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ، قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةً، وَلَكَ أَجْرُ ثَمَانِيَّةٍ فَهَذَا يَدْفَعُ فِي صَدْرِ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى صَوْمِ دَاوُدَ، زَادَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ قُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَبِرَ وَعَجَزَ عَنِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ وَوَظَّفَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَشَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِعَجْزِهِ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِالْتِزَامِهِ لَهُ، فَتَمَنَّى أَنْ لَوْ قَبِلَ الرُّخْصَةَ فَأَخَذَ بِالْأَخَفِّ. قُلْتُ: وَمَعَ عَجْزِهِ وَتَمَنِّيهِ الْأَخْذَ بِالرُّخْصَةِ لَمْ يَتْرُكِ الْعَمَلَ بِمَا الْتَزَمَهُ، بَلْ صَارَ يَتَعَاطَى فِيهِ نَوْعَ تَخْفِيفٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ حِينَ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ تِلْكَ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ، يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ فَيَقْوَى بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الرُّخْصَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَدَلَ بِهِ، لَكِنّني فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ.
٥٦ - بَاب صَوْمِ الدَّهْرِ
١٩٧٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا. فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ ﵇، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ) أَيْ: هَلْ يُشْرَعُ أَوْ لَا؟ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْحُكْمِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو خُصَّ بِالْمَنْعِ لَمَّا اطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَقْبَلِ حَالِهِ، فَيُلْتَحَقُ بِهِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِسَرْدِ الصَّوْمِ، وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى حُكْمِ الْجَوَازِ لِعُمُومِ التَّرْغِيبِ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ لِمَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيُدْخِلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ وَيُفَوِّتُ بِهِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا سَيَأْتِي بَعْدُ إِذَا كَبِرَ وَعَجَزَ كَمَا اتَّفَقَ لَهُ سَوَاءٌ، وَكَرِهَ أَنْ يُوَظِّفَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَةِ ثُمَّ يَعْجِزَ عَنْهُ فَيَتْرُكَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ ذَمِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بَعْدَ قَوْلِهِ: فَصُمْ وَأَفْطِرْ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ مِنْ ذَلِكَ وَتَقْرِيرٌ لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، إِذِ الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
قَوْلُهُ: (مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ) يَقْتَضِي أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا أَصْلُ التَّضْعِيفِ دُونَ التَّضْعِيفِ الْحَاصِلِ مِنَ الْفِعْلِ، وَلَكِنْ يَصْدُقُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ مَجَازًا. قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ صِيَامِ دَاوُدَ (لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ صَرِيحًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute