قَوْلُهُ: (بَابُ أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، لَكِنْ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ النُّقْصَانُ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إِذَا أَذِنَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَ التَّرْجَمَةَ بِالْأَمْرِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْإِفْسَادِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْخَازِنِ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي مَصَالِحِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ يَفْتَئِتُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ فَقَالَ: الْمَرْأَةُ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَالنَّظَرِ فِي بَيْتِهَا فَجَازَ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ، بِخِلَافِ الْخَادِمِ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَتَاعِ مَوْلَاهُ فَيُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِيهِ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا فَتَصَدَّقَتْ مِنْهُ فَقَدْ تَخَصَّصَتْ بِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَتْ مِنْ غَيْرِ حَقِّهَا رَجَعَتِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا كَانَتْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدَهُمَا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
١٤٣٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ.
ثَانِيَهُمَا: حَدِيثَ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ قُيِّدَ الْخَازِنُ فِيهِ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا فَأَخْرَجَ الْكَافِرَ، لِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَبِكَوْنِهِ أَمِينًا فَأَخْرَجَ الْخَائِنَ لِأَنَّهُ مَأْزُورٌ. وَرُتِّبَ الْأَجْرُ عَلَى إِعْطَائِهِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ غَيْرُ نَاقِصٍ لِكَوْنِهِ خَائِنًا أَيْضًا، وَبِكَوْنِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ طَيِّبَةً لِئَلَّا يَعْدَمَ النِّيَّةَ فَيَفْقِدَ الْأَجْرَ وَهِيَ قُيُودٌ لَا بُدَّ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (الَّذِي يُنَفِّذُ) بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ مُثَقَّلَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ.
٢٦ - بَاب أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ
١٤٣٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، وَالْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا.
١٤٤٠ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ.
١٤٤١ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَلَهَا أَجْرُهَا، وَلِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ) قَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَمْرِ كَمَا قَيَّدَ الَّذِي قَبْلَهُ فَقِيلَ: إِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا بِمَا لَيْسَ فِيهِ إِفْسَادٌ لِلرِّضَا بِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ، بِخِلَافِ الْخَادِمِ وَالْخَازِنِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ. وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ تَدُورُ عَلَى أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا: أَوَّلُهَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشُ عَنْهُ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ بِتَمَامِهِ، ثَانِيهَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَحْدَهُ. ثَالِثُهَا