٥٣ - بَاب لَا هَامَةَ
٥٧٧٠ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ.
٥٧٧١ - وعن أَبِي سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ، وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الْأَوَّلِ، قُلْنَا: أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لَا عَدْوَى، فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ.
[الحديث ٥٧٧١ - طرفه في: ٥٧٧٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ لَا هَامَةَ) قَالَ أَبُو زَيْدٍ: هِيَ بِالتَّشْدِيدِ، وَخَالَفَهُ الْجَمِيعُ فَخَفَّفُوهَا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَةِ، وَكَأَنَّ مَنْ شَدَّدَهَا ذَهَبَ إِلَى وَاحِدَةِ الْهَوَامِّ وَهِيَ ذَوَاتُ السَّمُومِ، وَقِيلَ: دَوَابُّ الْأَرْضِ الَّتِي تَهِمُّ بِأَذَى النَّاسِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ نفيه إِلَّا إِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا لَا تَضُرُّه لِذَوَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَضُرُّ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِيقَاعَ الضَّرَرِ بِمَنْ أَصَابَتْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُولُ: إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِثَأْرِهِ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِهِ هَامَةٌ - وَهِيَ دُودَةٌ - فَتَدُورُ حَوْلَ قَبْرِهِ فَتَقُولُ: اسْقُونِي اسْقُونِي، فَإِنْ أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ ذَهَبَتْ وَإِلَّا بَقِيَتْ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ:
يَا عَمْرُو إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي … أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي
وَقَالَ: وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَدُورُ حَوْلَ قَبْرِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَذْهَبُ. وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ نَحْوَ الْأَوَّلِ: إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُعَيِّنُوا كَوْنَهَا دُودَةً، بَلْ قَالَ الْقَزَّازُ: الْهَامَةُ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ، كَأَنَّهُ يَعْنِي الْبُومَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا، إِذَا وَقَعَتْ عَلَى بَيْتِ أَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَعَتَ إِلَيَّ نَفْسِي أَوْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دَارِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الطَّائِرَ الصَّدَى. فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ لَا حَيَاةَ لِهَامَةِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا شُؤْمَ بِالْبُومَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ تَرْجَمَ لَا هَامَةَ مَرَّتَيْنِ، بِالنَّظَرِ لِهَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَهِيَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (لَا عَدْوَى) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْجُذَامِ وَكَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ: لَا عَدْوَى، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ، وَكَذَا تَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ: وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.
قَوْلُهُ (تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: أَمْثَالُ الظِّبَاءِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَبِالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ، شَبَّهَهَا بِهَا فِي النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الدَّاءِ.
قَوْلُهُ: (فَيُجَرِّبُهَا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَيَدْخُلُ فِيهَا وَيُجَرِّبُهَا، بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِنَ الْعَدْوَى، أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِوُقُوعِ الْحَرْبِ بِهَا، وَهَذَا مِنْ أَوْهَامِ الْجُهَّالِ، كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا دَخَلَ فِي الْأَصِحَّاءِ أَمْرَضَهُمْ