مَقْلُوبٌ مِنَ الْإِكْفَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِنَاءَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ غَيْرُ مُكَافَأٍ بِالْهَمْزَةِ، أَيْ إِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُكَافَأُ. قُلْتُ: وَثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ هَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ غَيْرُ مَكْفِيٍّ بِالْيَاءِ، وَلِكُلٍّ مَعْنًى.
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (كَفَانَا وَأَرْوَانَا) هَذَا يُؤَيِّدُ عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْكَافِي لَا الْمُكَفِّي، وَكَفَانَا هُوَ مِنَ الْكِفَايَةِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَأَرْوَانَا عَلَى هَذَا مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَآوَانَا بِالْمَدِّ مِنَ الْإِيوَاءِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ وَزِيَادَةً فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ خَدَمَ النَّبِيَّ ﷺ ثَمَانَ سِنِينَ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامُهُ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِذَا فَرَغَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وَأَحْيَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخَرَى (وَلَا مَكْفُورٌ) أَيْ مَجْحُودٌ فَضْلُهُ وَنِعْمَتُهُ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ (وَلَا مُوَدَّعٌ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ أَيْ غَيْرُ مَتْرُوكٍ، وَيُحْتَمَلُ كَسْرُهَا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْقَائِلِ أَيْ غَيْرُ تَارِكٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالتَّنْوِينِ.
قَوْلُهُ (رَبُّنَا) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ رَبُّنَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُتَقَدِّمٌ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ أَوْ إِضْمَارِ أَعني، قَالَ ابْنُ التِّينِ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَبَّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: بِحَسَبِ رَفْعِ غَيْرِ أَيْ وَنَصْبِهِ وَرَفْعِ رَبِّنَا وَنَصْبِهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ يُكْثِرُ التَّوْجِيهَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
٥٥ - بَاب الْأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ
٥٤٦٠ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ.
قَوْلُهُ (بَابُ الْأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ) أَيْ عَلَى قَصْدِ التَّوَاضُعِ، وَالْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا أَوْ حُرًّا، مَحِلُّهُ فِيمَا إِذَا كَانَ السَّيِّدُ رَجُلًا أَنْ يَكُونَ الْخَادِمُ إِذَا كَانَ أُنْثَى مِلْكَهُ أَوْ مَحْرَمَهُ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ وَبِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ) هُوَ الْجُمَحِيُّ.
قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ) بِالنَّصْبِ (خَادِمُهُ) بِالرَّفْعِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلِيِّ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ، عَنْ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَادْعُهُ فَإِنْ أَبَى فَأَطْعِمْهُ مِنْهُ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيَدْعُهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَاعِلُ أَبَى وَكَذَا إِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدَ، وَالْمَعْنَى إِذَا تَرَفَّعَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ غُلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَادِمَ إِذَا تَوَاضَعَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ سَيِّدِهِ، وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أُمِرْنَا أَنْ نَدْعُوَهُ، فَإِنْ كَرِهَ أَحَدُنَا