للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طَرِيقِهِ ثُمَّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَرَانِي حَبَشِيَّةً صَفْرَاءَ عَظِيمَةً فَقَالَ: هَذِهِ سُعَيْرَةُ الْأَسَدِيَّةُ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ إِنَّ بِي هَذِهِ الْمُؤْتَةَ) (١) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ: الْجُنُونُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: إِنَّ بِي هَذِهِ الْمُؤْتَةَ يَعْنِي الْجُنُونَ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْمَعُ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ وَاللِّيفَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهَا كُبَّةٌ عَظِيمَةٌ نَقَضَتْهَا فَنَزَلَ فِيهَا: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النَّحْلِ أَنَّهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى.

قَوْلُهُ: (وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ) بِمُثَنَّاةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّكَشُّفِ، وَبِالنُّونِ السَّاكِنَةِ مُخَفَّفًا مِنَ الِانْكِشَافِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا خَشِيَتْ أَنْ تَظْهَرَ عَوْرَتُهَا وَهِيَ لَا تَشْعُرُ.

قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) هُوَ ابْنُ سَلَامٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَمَخْلَدٌ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْفَاءِ.

قَوْلُهُ: (تِلْكَ الْمَرْأَةُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تِلْكَ امْرَأَةٌ.

قَوْلُهُ: (عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ جَالِسَةٌ عَلَيْهَا مُعْتَمِدَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ رَأَى. ثُمَّ وَجَدْتُ الْحَدِيثَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِهَذَا السَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا بِعَيْنِهِ وَقَالَ عَلَى سُلَّمِ الْكَعْبَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي، فَدَعَا لَهَا فَكَانَتْ إِذَا خَشِيَتْ أَنْ يَأْتِيَهَا تَأْتِي أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فَتَتَعَلَّقُ بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ يُؤْتَى بِالْمَجَانِينِ فَيَضْرِبُ صَدْرَ أَحَدِهِمْ فَيَبْرَأُ، فَأُتِيَ بِمَجْنُونَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ زُفَرَ، فَضَرَبَ صَدْرَهَا فَلَمْ تَبْرَأْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ فَذَكَرَ كَالَّذِي هُنَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ طَاوُسٍ فَزَادَ وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهَا خَيْرًا وَزَادَ فِي آخره فَقَالَ: إِنْ يَتْبَعْهَا فِي الدُّنْيَا فَلَهَا فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَعُرِفَ مِمَّا أَوْرَدْتُهُ أَنَّ اسْمَهَا سُعَيْرَةُ وَهِيَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّر، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْدَهْ بِقَافٍ بَدَلَ الْعَيْنِ، وَفِي أُخْرَى لِلْمُسْتَغْفِرِيِّ بِالْكَافِ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الْغَنِيِّ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ مَاشِطَةُ خَدِيجَةَ الَّتِي كَانَتْ تَتَعَاهَدُ النَّبِيَّ بِالزِّيَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي أَوْرَدَتْهَا أَنَّ الَّذِي كَانَ بِأُمِّ زُفَرَ كَانَ مِنْ صَرْعِ الْجِنِّ لَا مِنْ صَرْعِ الْخَلْطِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا وَلَفْظُهُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ. فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ. قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ. وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَنْ يُصْرَعُ، وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِثُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ الْأَخْذَ بِالشِّدَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاقَةَ وَلَمْ يَضْعُفْ عَنِ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ التَّدَاوِي، وَفِيهِ أَنَّ عِلَاجَ الْأَمْرَاضِ كُلَّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنْجَعُ وَأَنْفَعُ مِنَ الْعِلَاجِ بِالْعَقَاقِيرِ، وَأَنَّ تَأْثِيرَ ذَلِكَ وَانْفِعَالَ الْبَدَنِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَعُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَلِيلِ وَهُوَ صِدْقُ الْقَصْدِ، وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّةُ تَوَجُّهِهِ وَقُوَّةُ قَلْبِهِ بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٧ - بَاب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ


(١) لعل هذه رواية الشارح، وهي غير رواية الجامع الصحيح الذي في الأيدي.