قَوْلُهُ: (بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: أَصْلِحِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ) أَيْ قَائِلًا ذَلِكَ، ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ عَنْهُ، وَفِي الْأَوَّلِ بِلَفْظِ فَأَصْلِحْ وَفِي الثَّانِي فَاغْفِرْ وَفِي الثَّالِثِ فَأَكْرِمْ وَبَيَّنَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ سَهْلٍ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ بِلَفْظِ: وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ وَفِيهِ فَاغْفِرْ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَكْتَادِنَا بِالْمُثَنَّاةِ جَمْعُ كَتَدٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ إِلَى الظَّهْرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: نَحْمِلُهُ عَلَى جُنُوبِنَا مِمَّا يَلِي الْكَبِدَ. وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا.
١٠ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
٣٧٩٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ - أَوْ عَجِبَ - مِنْ فَعَالِكُمَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[الحديث ٣٧٩٨ - طرفه في: ٤٨٨٩]
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ هُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِهَا. وَحَدِيثُ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ فَيُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ.
قَوْلُهُ: (إنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ أَنْصَارِيٌّ، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ فِي التَّفْسِيرِ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ أَيِ الْمَشَقَّةُ مِنَ الْجُوعِ، وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أنِّي مَجْهُودٌ.
قَوْلُهُ: (فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُنَّ مَا يُضَيِّفُهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْنَ مَا مَعَنَا) أَيْ مَا عِنْدَنَا (إِلَّا الْمَاءُ) وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ مَا عِنْدِي وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُمْ خَيْبَرَ وَغَيْرَهَا.
قَوْلُهُ: (مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضَيِّفُ) أَيْ مَنْ يُؤْوِي هَذَا فَيُضَيِّفُهُ، وَكَأَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) زَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ أَوْرَدَ ذَلِكَ ابْنُ بَشْكُوَالَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ النَّحَّاسِ بِسَنَد لَهُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ سِيَاقَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَبَرَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَجِدُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ وَيُصْبِحُ صَائِمًا حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ