للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٩ - بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ

وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ، وَبَلَغَ ابنة زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا، وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ.

٣٢٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ Object فَقَالَ: ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ إِقْبَالَ الْمَحِيضِ يُعْرَفُ بِالدُّفْعَةِ مِنَ الدَّمِ فِي وَقْتِ إِمْكَانِ الْحَيْضِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْبَارِهِ فَقِيلَ: يُعْرَفُ بِالْجُفُوفِ، وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ مَا يُحْتَشَى بِهِ جَافًّا، وَقِيلَ بِالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ.

قَوْلُهُ: (وَكُنَّ) هُوَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ، وَنِسَاءٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ نَحْوَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَالتَّنْكِيرُ فِي نِسَاءٍ لِلتَّنْوِيعِ، أَيْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ نَوْعٍ مِنَ النِّسَاءِ لَا مِنْ كُلِّهِنَّ. وَهَذَا الْأَثَرُ قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْمَدَنِيِّ عَنْ أُمِّهِ - وَاسْمُهَا مَرْجَانَةُ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ - قَالَتْ كَانَ النِّسَاءُ.

قَوْلُهُ: (بِالدِّرَجَةِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ جَمْعُ دُرْجٍ بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَذَا يَرْوِيهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَضَبَطَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْمُوَطَّأِ بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُونِ وَقَالَ: إِنَّهُ تَأْنِيثُ دُرْجٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَحْتَشِي بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ قُطْنَةٍ وَغَيْرِهَا لِتَعْرِفَ هَلْ بَقِيَ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ شَيْءٌ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (الْكُرْسُفُ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الْقُطْنُ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ الصُّفْرَةُ) زَادَ مَالِكٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ.

قَوْلُهُ: (فَتَقُولُ) أَيْ عَائِشَةُ. وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ النُّورَةُ، أَيْ حَتَّى تَخْرُجَ الْقُطْنَةُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ إِنْ شَاءَ تَعَالَى.

وَفِيهِ أَنَّ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ عَلَامَةٌ لِانْتِهَاءِ الْحَيْضِ وَيَتَبَيَّنُ بِهَا ابْتِدَاءُ الطُّهْرِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ ذَهبَ إِلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْجُفُوفِ بِأَنَّ الْقُطْنَةَ قَدْ تَخْرُجُ جَافَّةً فِي أَثْنَاءِ الْأَمْرِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، بِخِلَافِ الْقَصَّةِ وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَدْفَعُهُ الرَّحِمُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ. قَالَ مَالِكٌ: سَأَلْتُ النِّسَاءَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَهُنَّ يَعْرِفْنَهُ عِنْدَ الطُّهْرِ.

قَوْلُهُ: (وَبَلَغَ ابْنةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) كَذَا وَقَعَتْ مُبْهَمَةً هُنَا، وَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ حَيْثُ رُوِيَ هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيِ ابْنِ مُحَمَّدِ (١) بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْهَا، وَقَدْ ذَكَرُوا لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنَ الْبَنَاتِ حَسَنَةَ وَعَمْرَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَغَيْرَهُنَّ، وَلَمْ أَرَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رِوَايَةً إِلَّا لِأُمِّ كُلْثُومٍ - وَكَانَتْ زَوْجَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - فَكَأَنَّهَا هِيَ الْمُبْهَمَةُ هُنَا. وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهَا أُمُّ سَعْدٍ قَالَ: لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَهَا فِي الصَّحَابَةِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ لَهَا دَلِيلُ على الْمُدَّعِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِنَّهَا صَاحِبَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، بَلْ لَمْ يَأْتِ لَهَا ذِكْرٌ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ


(١) في هامش طبعة بولاق: في نسخة"ابن أبي محمد"