للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا فَيَقَعَ فِي قَلْبِ عُمَرَ انْكِسَارٌ، وَلَعَلَّ اطِّلَاعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ قَصَدَ خِطْبَةَ حَفْصَةَ كَانَ بِإِخْبَارِهِ لَهُ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشَارَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُمُ عَنْهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدُهُ حَتَّى وَلَا مَا فِي الْعَادَةِ عَلَيْهِ غَضَاضَةٌ، وَهُوَ كَوْنُ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُرِيدُ لِوُثُوقِهِ بِإِيثَارِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا اطَّلَعَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ اطِّلَاعِ عُمَرَ الَّذِي يَقَعُ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْخِطْبَةِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً أَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ لَمْ تَقَعِ الْخِطْبَةُ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ. وَفِيهِ الرُّخْصَةُ فِي تَزْوِيجِ مَنْ عَرَّضَ النَّبِيُّ بِخِطْبَتِهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ: لَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. وَفِيهِ عَرْضُ الْإِنْسَانِ بِنْتَهُ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوْلَيَاتِهِ عَلَى مَنْ يُعْتَقَدُ خَيْرُهُ وَصَلَاحُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَعْرُوضَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا اسْتِحْيَاءَ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَرْضِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ حِينَئِذٍ مُتَزَوِّجًا. وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُفْشِي سِرَّ فُلَانٍ فَأَفْشَى فُلَانٌ سِرَّ نَفْسِهِ ثُمَّ تَحَدَّثَ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّرِّ هُوَ الَّذِي أَفْشَاهُ فَلَمْ يَكُنِ الْإِفْشَاءُ مِنْ قِبَلِ الْحَالِفِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَّثَ وَاحِدٌ آخَرَ بِشَيْءٍ وَاسْتَحْلَفَهُ لِيَكْتُمَهُ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَدِيثِ حَدَّثَهُ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ، فَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ، وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ غَيْرِي فَإِنَّ هَذَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ يَكْتُمُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ وَقَدْ أَفْشَاهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَبَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ بِنْتَهُ الثَّيِّبَ كَمَا يَخْطُبُ إِلَيْهِ الْبِكْرَ، وَلَا تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا كَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَقَوْلُهُ: لَا تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَفِيهِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنْتَهُ الثَّيِّبَ مِنْ غَيْرَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَكْرَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْخَاطِبُ كُفُوًا لَهَا، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثَ تَصْرِيحٌ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ إِنْكَاحُ الرَّجُلِ بِنْتَهُ الْكَبِيرَةَ، فَإِنْ أَرَادَ بِالرِّضَا لَمْ يُخَالِفِ الْقَوَاعِدَ، وَأَنْ أَرَادَ بِالْإِخْبَارِ فَقَدْ يَمْنَعُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هُنَا مَقْصُودَ التَّرْجَمَةِ؛ اسْتِغْنَاءً بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهَا: انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣٤ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ﴾ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ أَوْ أَكْنَنْتُمْ أَضْمَرْتُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْتَهُ وَأَضْمَرْتَهُ فَهُوَ مَكْنُونٌ.

٥١٢٤ - وَقَالَ لِي طَلْقٌ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ يَقُولُ إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ وَقَالَ الْقَاسِمُ يَقُولُ إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا أَوْ نَحْوَ هَذَا وَقَالَ عَطَاءٌ يُعَرِّضُ وَلَا يَبُوحُ يَقُولُ إِنَّ لِي حَاجَةً وَأَبْشِرِي وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ نَافِقَةٌ وَتَقُولُ هِيَ قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ وَلَا تَعِدُ شَيْئًا وَلَا يُوَاعِدُ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَإِنْ وَاعَدَتْ رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْحَسَنُ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا الزِّنَا وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ"

قوله: "باب قول الله ﷿: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ﴾