للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّلَامُ: إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ اثْنَتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ. مَوْقُوفٌ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَفْظُ ذَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَوْ بِمَعْنَى حَقِّ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَسَّانَ:

وَإِنَّ أَخَا الْأَحْقَافِ إِذْ قَامَ فِيهِمْ … يُجَاهِدُ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَيَعْدِلُ

وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ إِطْلَاقِ لَفْظِ ذَاتِ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحْدَثَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَرْدُودٌ إِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّفْسُ لِثُبُوتِ لَفْظِ النَّفْسِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ بِتَرْجَمَةِ النَّفْسِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَجْهِ أَنَّهُ وَرَدَ بِمَعْنَى الرِّضَا. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْعَقِيدَةِ: تَقُولُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْكِلَةِ: إِنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَأَوَّلَهَا نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَرِيبًا عَلَى مُقْتَضَى لِسَانِ الْعَرَبِ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ وَرَجَعْنَا إِلَى التَّصْدِيقِ مَعَ التَّنْزِيهِ.

وَمَا كَانَ مِنْهَا مَعْنَاهُ ظَاهِرًا مَفْهُومًا مِنْ تَخَاطُبِ الْعَرَبِ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِمُ الشَّائِعِ حَقُّ اللَّهِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: إِنَّ قَلْبَ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِرَادَةُ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ مُصَرَّفَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَمَا يُوقِعُهُ فِيهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ مَعْنَاهُ: خَرَّبَ اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ مَعْنَاهُ: لِأَجْلِ اللَّهِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ تَفْصِيلٌ بَالِغٌ قَلَّ مَنْ تَيَقَّظَ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّهِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا ذَاتٌ مُسَاوِيَةٌ لِسَائِرِ الذَّوَاتِ، وَإِنَّمَا تَمْتَازُ عَنْهَا بِالصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا كَوُجُوبِ الْوُجُودِ، وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ، وَالْعِلْمِ التَّامِّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُتَسَاوِيَةَ فِي تَمَامِ الْحَقِيقَةِ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَصِحُّ عَلَى الْآخَرِ، فَيَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى التَّسَاوِي الْمُحَالِ، وَبِأَنَّ أَصْلَ مَا ذَكَرُوهُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَبْطٍ، وَالصَّوَابُ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَالتَّفْوِيضُ إِلَى اللَّهِ فِي جَمِيعِهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ إِثْبَاتَهُ لَهُ أَوْ تَنْزِيهَهُ عَنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْجِيحِ التَّفْوِيضِ عَلَى التَّأْوِيلِ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ التَّأْوِيلِ لَيْسَ جَازِمًا

بِتَأْوِيلِهِ بِخِلَافِ صَاحِبِ التَّفْوِيضِ.

١٥ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾

٧٤٠٣ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِيِّ ، قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ.