للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَهُمْ يُسَمُّونَهَا اسْمًا، فَإِنْ سَمَّيْتُمُوهَا بِالِاسْمِ الَّذِي يُسَمُّونَهَا بِهِ وَافَقْتُمُوهُمْ، وَإِذَا وَافَقَ الْخَصْمُ خَصْمَهُ صَارَ كَأَنَّهُ انْقَطَعَ لَهُ حَتَّى غَلَبَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ غَصَبَ وَلَا أَخَذَ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمَعْنَى لَا تُطْلِقُوا هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَا هُوَ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَهُمْ فَيَغْلِبُ مُصْطَلَحُهُمْ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْأَعْرَابُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا، وَالْعَرَبِيُّ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْعَرَبِ وَلَوْ لَمْ يَسْكُنِ الْبَادِيَةَ.

قَوْله: (عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ) التَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ يُبْعِدُ قَوْلَ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ صَلَاتُهَا عَنْ وَقْتِ الْغُرُوبِ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ: السِّرُّ فِي النَّهْيِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا تُسَمَّى عِشَاءً فَيُظَنَّ امْتِدَادُ وَقْتِهَا عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَخْذًا مِنْ لَفْظِ الْعِشَاءِ اهـ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَقْوِيَةَ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُضَيَّقٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا الْمَغْرِبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا مُضَيَّقًا، فَإِنَّ الظُّهْرَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهَا عِنْدَ الظَّهِيرَةِ وَلَيْسَ وَقْتُهَا مُضَيَّقًا بِلَا خِلَافٍ.

قَوْله: (قَالَ: وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ) سِرُّ النَّهْي عَنْ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْعِشَاءِ لُغَةً هُوَ أَوَّلُ ظَلَامِ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ مِنْ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، فَلَوْ قِيلَ لِلْمَغْرِبِ عِشَاءٌ لَأَدَّى إِلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ، وَقَدْ جَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ خَاصٍّ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ إِيرَادِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ فَإِنَّ الْأَعْرَابَ تُسَمِّيهَا وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا وَاحِدًا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى إِدْرَاجِهِ.

(فَائِدَةٌ): لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ تَسْمِيَةَ الْمَغْرِبِ عِشَاءً عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ كَمَنْ قَالَ مَثَلًا: صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْنِ، إِذَا قُلْنَا: إِنَّ حِكْمَةَ النَّهْي عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً خَوْفُ اللَّبْسِ لِزَوَالِ اللَّبْسِ فِي الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): أَوْرَدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِ الْمَتْنِ، فَقَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ عَنْهُ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ أَبِيهِ اهـ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ: لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْأَعْرَابَ تُسَمِّيهَا عَتَمَةً. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ كَذَلِكَ، وَجَنَحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ لِمُوَافَقَتِهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي صَدْرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَغْرِبِ، وَالْآخَرُ فِي الْعِشَاءِ، كَانَا جَمِيعًا عِنْدَ عَبْدِ الْوَارِثِ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

٢٠ - بَاب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ، وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ : أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ. وَقَالَ: لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ﴾ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَأَعْتَمَ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ بِالْعِشَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنْ عَائِشَةَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ بِالْعَتَمَةِ. وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي الْعِشَاءَ. وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَخَّرَ النَّبِيُّ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. وَقَالَ ابْنُ