مَنْ يَشَاءُ﴾ وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَعَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ: النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ، وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ، وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ، وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ: رُوحُ اللَّهِ، مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
الثَّانِي: وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾، ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ، رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ، وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي
سُورَةِ سُبْحَانَ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّتِهِ: قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَوْلُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً، وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَابِ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾
٣٠ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾، ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ سَخَّرَ: ذَلَّلَ.
٧٤٦٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute