مُقْتَصِرًا عَلَى مَعْنَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَفِيهِ: أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَفِيهِ: وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿هَذَا عَارِضٌ﴾ الْآيَةَ وَعُرِفَ بِرِوَايَةِ شُرَيْحٍ أَنَّ الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ يُسْتَحَبُّ بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ لِلِازْدِيَادِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مُقَيَّدًا بِدَفْعِ مَا يُحْذَرُ مِنْ ضَرَرٍ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى) أَيِ: ابْنُ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ الْمُقَدَّمِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ بِإِسْنَادِهِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَوْصُولَةً. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ، عَنْ مُقَدَّمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمِّهِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا، وَزَعَمَ مُغَلْطَايْ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَصَلَ هَذِهِ الْمُتَابَعَةَ فِي غَرَائِبِ الْأَفْرَادِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ.
قُلْتُ: لَيْسَ ذَلِكَ مُطَابِقًا إِلَّا إِنْ كَانَ نُسْخَتُهُ سَقَطَ مِنْهَا مِنْ مَتْنِ الْبُخَارِيِّ لَفْظُ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى.
قَوْلُهُ: (وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَعُقَيْلٌ، عَنْ نَافِعٍ) يَعْنِي كَذَلِكَ، فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا وَلَفْظُهُ هَنِيئًا بَدَلَ نَافِعًا، وَرُوِّينَاهَا فِي الْغِيلَانِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ دُحَيْمٍ، عَنِ الْوَلِيدِ، وَشُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَزَالَ بِهَذَا مَا كَانَ يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِ الْوَلِيدِ وَتَسْوِيَتِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ، وَأَرْجَحُهَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةِ دُحَيْمٍ صِحَّةُ سَمَاعِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، خِلَافًا لِمَنْ نَفَاهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عُقَيْلٍ فَذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَالَ أَوَّلًا تَابَعَهُ الْقَاسِمُ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، فَكَانَ تَغَيُّرُ الْأُسْلُوبِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ أَمْ لَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا رَوَيَاهُ عَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا رَوَيَاهُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، انْتَهَى.
وَمَا أَدْرِي لِمَ تَرَكَ احْتِمَالَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ لِلتَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمِيعِ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى إِدْخَالِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَنَافِعٍ أَوْ لَا، وَالْبُخَارِيُّ قَدْ قَيَّدَ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ بِكَوْنِهَا عَنْ نَافِعٍ، وَالرُّوَاةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ نَافِعًا رَوَاهُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، فَظَهَرَ بِهَذَا كَوْنُهَا مُتَابَعَةً لَا مُخَالَفَةً، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُتَابَعَةُ الْقَاسِمِ أَقْرَبَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمَا لِأَنَّهُ تَابَعَ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُمَا تَابَعَا فِي شَيْخِهِ حَسُنَ أَنْ يُفْرِدَهَا مِنْهُمَا وَلَمَّا أَفْرَدَهَا تَفَنَّنَ فِي الْعِبَارَةِ.
٢٤ - بَاب مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ
١٠٣٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute