للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْصُ مِنَ الثَّلَاثِ، وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ، فَلَيْسَ فِيهِ إِيجَابُ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ) يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مِنَ الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ وَلَوْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ. وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُجَاوِزُوا. . . إِلَخْ) يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الثَّلَاثِ شَيْءٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا آمَنَ أَنْ يَأْثَمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ. أَيْ: لَمْ أُحَرِّمْهُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُحِبُّ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ. وَهَذَا الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.

وَحَكَى الدَّارِمِيُّ مِنْهُمْ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ تُبْطِلُ الْوُضُوءَ كَالزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَيَلْزَمُ مِنَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ كَرَاهَتِهَا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَاخْتُلِفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَيْدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْهُ حُكْمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، فَالْأَصَحُّ إِنْ صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَقِيلَ الْفَرْضُ فَقَطْ، وَقِيلَ مِثْلُهُ حَتَّى سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، وَقِيلَ مَا يُقْصَدُ لَهُ الْوُضُوءُ وَهُوَ أَعَمُّ، وَقِيلَ إِذَا وَقَعَ الْفَصْلُ بِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ فِي مِثْلِهِ نَقْضُ الْوُضُوءِ عَادَةً.

وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الِاعْتِقَادِ؛ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ سُنَّةٌ أَخْطَأَ وَدَخَلَ فِي الْوَعِيدِ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحْدِيدِ شَيْءٌ، بَلْ لَوْ زَادَ الرَّابِعَةَ وَغَيْرَهَا لَا لَوْمَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ: الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ. قُلْتُ: وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ.

وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الْعُضْوِ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فِي الْمَرَّاتِ أَوْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ الطَّارِئِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا، لِئَلَّا يَؤُولَ بِهِ الْحَالُ إِلَى الْوَسْوَاسِ الْمَذْمُومِ.

٢ - بَاب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

١٣٥ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.

[الحديث ١٣٥ - طرفه في: ٦٩٥٤]

قَوْلُهُ: (بَابُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُلَيْحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَأَوْرَدَ فِي الْبَابِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.

قَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ) كَذَا فِي رِوَايَتِنَا بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ