مُسْتَنَدُ الْخِلَافِ وَاهِيًا. وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الْخَمْرُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا حَرَامٌ وَلَيْسَ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَالنَّبِيذُ الْمَطْبُوخُ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُسْكِرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالنَّقِيعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ غَلَا إِلَّا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ، قَالَ: وَكَذَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا أَشْرَبَهُ وَلَا أُحَرِّمِهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَكْرَهُ نَقِيعَ التَّمْرِ وَنَقِيعَ الزَّبِيبِ إِذَا غُلِيَ، وَنَقِيعُ الْعَسَلِ لَا بَأْسَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ) هُوَ الْبَزَّارُ آخِرُهُ رَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَهَذَا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَالِكٌ هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ) كَانَ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَ بِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَلَمْ يَنْسُبْهُ فَنَسَبَهُ هُوَ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ فَقَالَ: عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ نَفَى ذَلِكَ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمَ، أَوْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ مِنْ أَجْلِ قِلَّتِهَا حِينَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَأَطْلَقَ النَّفْيَ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُبَالَغَةً، وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الْأَعْنَابِ إِلَّا قَلِيلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ عُمَرَ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ أَيْ يُعْصَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ وَحُمِلَ عَلَى مَا كَانَ يُصْنَعُ بِهَا لَا عَلَى مَا يُجْلَبُ إِلَيْهَا. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ تُصْنَعُ مِنَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبِلَادِ، لَا فِي خُصُوصِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ بَابَيْنِ مَعَ شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ يُونُسَ) هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ الْبَصْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) أَيِ النَّبِيذُ الَّذِي يَصِيرُ خَمْرًا كَانَ أَكْثَرَ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ: الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ مَجَازٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُمَا، وَهُوَ عَكْسُ: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ أَوْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ عَامَّةُ أَصْلِ خَمْرِنَا أَوْ مَادَّتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَالْخَمْرُ يَوْمئِذٍ الْبُسْرُ، وَتَقْرِيرُ الْحَذْفِ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ هُوَ الْخَمْرُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ الْحَصْرُ لَكِنِ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ حِينَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ مَوْجُودًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقِيلَ: مُرَادُ أَنَسٍ الرَّدُّ عَلَى مَنْ خَصَّ اسْمَ الْخَمْرِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ، وَقِيلَ: مُرَادُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعِنَبِ بَلْ يُشْرِكُهَا فِي التَّحْرِيمِ كُلِّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ، وَهَذَا أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ، وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ.
قَوْلُهُ (قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ) سَاقَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ مُطَوَّلًا. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فِيهِ جَوَازُ حَذْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ أَمَّا بَعْدُ. قُلْتُ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةَ مُسَدَّدٍ هُنَا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ بِلَفْظِ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لَيْسَ فِيهِ أَمَّا بَعْدُ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُنَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ شَيْخِ مُسَدَّدٍ وَفِيهِ بِلَفْظِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْخَمْرَ فَظَهَرَ أَنَّ حَذْفَ الْفَاءِ وَإِثْبَاتَهَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةٍ.
٣ - بَاب نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ
٥٥٨٢ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،