للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلِمُسْلِمٍ فِي سَرِيَّةٍ وَزَادَ فَأَجْنَبْنَا وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ.

قَوْلُهُ: (فَتَمَعَّكْتُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدُ فَتَمَرَّغْتُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَقَلَّبْتُ، وَكَأَنَّ عَمَّارًا اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ إِذَا وَقَعَ بَدَلَ الْوُضُوءِ وَقَعَ عَلَى هَيْئَةِ الْوُضُوءِ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنِ الْغُسْلِ يَقَعُ عَلَى هَيْئَةِ الْغُسْلِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ وَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْحَقَّ، وَأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَفِي تَرْكِهِ أَمْرَ عُمَرَ أَيْضًا بِقَضَائِهَا مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَا يُصَلِّي وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (١).

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّيَمُّمِ هِيَ الصِّفَةُ الْمَشْرُوحَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ بِالْأَمْرِ دَلَّتْ عَلَى النَّسْخِ وَلَزِمَ قَبُولُهَا، لَكِنْ إِنَّمَا وَرَدَتْ بِالْفِعْلِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأَكْمَلِ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فَضَرَبَ النَّبِيُّ ، وَكَذَا لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ.

قَوْلُهُ: (وَنَفَخَ فِيهِمَا) وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ الْآتِيَةِ ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ النَّفْخِ، وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ نَفْخًا خَفِيفًا، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ تَفَلَ فِيهِمَا وَالتَّفْلُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ دُونَ الْبَزْقِ، وَالنَّفْثُ دُونَهُ. وَسِيَاقُ هَؤُلَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيمَ وَقَعَ بِالْفِعْلِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ - كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ - أَنَّ التَّعْلِيمَ وَقَعَ بِالْقَوْلِ، وَلَفْظُهُمْ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ زَادَ يَحْيَى ثُمَّ تَنْفُخُ ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَاسْتُدِلَّ بِالنَّفْخِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِ التُّرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى سُقُوطِ اسْتِحْبَابِ التَّكْرَارِ فِي التَّيَمُّمِ ; لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّخْفِيفِ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ عَمَّارٍ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّرْبَتَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، وَسُقُوطُ إِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي التَّيَمُّمِ عَنِ الْجَنَابَةِ.

٥ - بَاب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ

٣٣٩ - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا، وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.

وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ الْحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ.

٣٤٠ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا. وَقَالَ: تَفَلَ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) أَيْ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُجْزِئُ، وَأَتَى بِذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ شُهْرَةِ الْخِلَافِ فِيهِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ، وَعَمَّارٍ، وَمَا عَدَاهُمَا فَضَعِيفٌ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ رَفْعِهِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ مُجْمَلًا، وَأَمَّا


(١) لكنه قول ساقط مخالف لقوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ولحديث عائشة المتقدم في قصة القلادة. والله أعلم