الْكُسُوفِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ وَاللَّهِ مَا فَعَلَ ذَاكَ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ زَمَنَ أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ فَمَا صَلَّى إِلَّا مِثْلَ الصُّبْحِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَجَلْ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فَقَالَ أَجَلْ، كَذَلِكَ صَنَعَ وَأَخْطَأَ السُّنَّةَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عُرْوَةَ تَابِعِيٌّ وَعَبْدَ اللَّهِ صَحَابِيٌّ فَالْأَخْذُ بِفِعْلِهِ أَوْلَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ عُرْوَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ السُّنَّةُ كَذَا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ مُرْسَلٌ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ خَبَرُ عَائِشَةَ الْمَرْفُوعُ، فَانْتَفَى عَنْهُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا أَوْ مُنْقَطِعًا، فَيُرَجَّحُ الْمَرْفُوعُ عَلَى الْمَوْقُوفِ، فَلِذَلِكَ حُكِمَ عَلَى صَنِيعِ أَخِيهِ بِالْخَطَأِ، وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَإِلَّا فَمَا صَنَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ يَتَأَدَّى بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ السُّنَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥ - بَاب هَلْ يَقُولُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾
١٠٤٧ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: أَتَى بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ إِشْعَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. قُلْتُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَا تَقُولُوا كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُولُوا خَسَفَتْ وَهَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْهُ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تُخَالِفُهُ لِثُبُوتِهَا بِلَفْظِ الْكُسُوفِ فِي الشَّمْسِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ أَفْصَحُ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ عَكْسَهُ وَغَلَّطَهُ لِثُبُوتِهِ بِالْخَاءِ فِي الْقَمَرِ فِي الْقُرْآنِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي اسْتِشْهَادِ الْمُؤَلِّفِ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ، وَقِيلَ: يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدْلُولَ الْكُسُوفِ لُغَةً غَيْرُ مَدْلُولِ الْخُسُوفِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ التَّغَيُّرُ إِلَى السَّوَادِ، وَالْخُسُوفَ النُّقْصَانُ أَوِ الذُّلُّ، فَإِذَا قِيلَ فِي الشَّمْسِ كَسَفَتْ أَوْ خَسَفَتْ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَيَلْحَقُهَا النَّقْصُ سَاغَ، وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ مُتَرَادِفَانِ. وَقِيلَ بِالْكَافِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِالْخَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ وَقِيلَ بِالْكَافِ لِذَهَابِ جَمِيعِ الضَّوْءِ وَبِالْخَاءِ لِبَعْضِهِ، وَقِيلَ بِالْخَاءِ لِذَهَابِ كُلِّ لَوْنٍ وَبِالْكَافِ لِتَغَيُّرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ فِي إِيرَادِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُقَالَ خَسَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute