وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢٨ - باب مَنْ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ
١٢٧٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ ﵁ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ النَّبِيَّ ﷺ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ. قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا، وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.
[الحديث ١٢٧٧ - أطرافه في: ٢٠٩٣، ٥٨١٠، ٦٠٣٦]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ) ضُبِطَ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَحُكِيَ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ الْإِنْكَارِ النَّبِيُّ ﷺ، وَحَكَى الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ، عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَلَمْ يُنْكِرْهُ؛ بِهَاءٍ، بَدَلَ: عَلَيْهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الَّتِي بِالْكَسْرِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ التَّرْجَمَةَ بِذَلِكَ لِيُشِيرَ إِلَى أَنَّ الْإِنْكَارَ الَّذِي وَقَعَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى الصَّحَابِيِّ فِي طَلَبِ الْبُرْدَةِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِعُذْرِهِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ تَحْصِيلِ مَا لَا بُدَّ لِلْمَيِّتِ مِنْهُ مِنْ كَفَنٍ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ حَفْرُ الْقَبْرِ؟ فِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (إِنَّ امْرَأَةً) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا.
قَوْلُهُ: (فِيهَا حَاشِيَتُهَا) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تُقْطَعْ مِنْ ثَوْبٍ، فَتَكُونُ بِلَا حَاشِيَةٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَاشِيَةُ الثَّوْبِ هُدْبَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا جَدِيدَةٌ لَمْ يُقْطَعْ هُدْبُهَا، وَلَمْ تُلْبَسْ بَعْدُ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: حَاشِيَتَا الثَّوْبِ نَاحِيَتَاهُ اللَّتَانِ فِي طَرَفِهِمَا الْهُدْبُ.
قَوْلُهُ: (أَتَدْرُونَ) هُوَ مَقُولُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بَيَّنَهُ أَبُو غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ. انْتَهَى. وَفِي تَفْسِيرِ الْبُرْدَةِ بِالشَّمْلَةِ تَجَوُّزٌ، لِأَنَّ الْبُرْدَةَ كِسَاءٌ، وَالشَّمْلَةُ مَا يُشْتَمَلُ بِهِ، فَهِيَ أَعَمُّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ اشْتِمَالِهِمْ بِهَا أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَهَا.
قَوْلُهُ: (فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا) كَأَنَّهُمْ عَرَفُوا ذَلِكَ بِقَرِينَةِ حَالٍ أَوْ تَقَدُّمِ قَوْلٍ صَرِيحٍ.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إِلَيْنَا، وَإِنَّهَا إِزَارُهُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ (١)، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا فِيهَا، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَاتَّزَرَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ.
قَوْلُهُ: (فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا) كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ هُنَا بِالْمُهْمَلَتَيْنِ مِنَ التَّحْسِينِ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَجَسَّهَا بِالْجِيمِ بِغَيْرِ نُونٍ. وَكَذَا لِلطَّبَرَانِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَقَوْلُهُ: فُلَانٌ أَفَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَزَاهُ لِلطَّبَرَانِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لَا فِي مُسْنَدِ سَهْلٍ، وَلَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ، عَنِ الْمُحِبِّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَكَذَا قَالَ لَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْهَيْتَمِيُّ: إِنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَكَانَهُ. وَوَقَعَ لِشَيْخِنَا ابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ غَلَطٌ، فَكَأَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَى شَيْخِنَا اسْمُ الْقَائِلِ بِاسْمِ الرَّاوِي، نَعَمْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
(١) في نسخة "ابن بشار"