قِصَاصٌ﴾ فَعَاقِبُوا) وَقِيلَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ وَقِيلَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَرْفَعُهُ.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ إِنْكَارُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ كَسْرَ سِنِّ الرُّبَيِّعِ مَعَ سَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ الْأَمْرَ بِالْقِصَاصِ ثُمَّ قَالَ أَتُكْسَرُ سِنُّ الرُّبَيِّعِ؟ ثُمَّ أَقْسَمَ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى التَّأْكِيدِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي طَلَبِ الشَّفَاعَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَعْفُوا عَنْهَا، وَقِيلَ كَانَ حَلِفُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَتْمٌ فَظَنَّ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ أَوِ الْعَفْوِ، وَقِيلَ لَمْ يُرِدِ الْإِنْكَارَ الْمَحْضَ وَالرَّدَّ بَلْ قَالَهُ تَوَقُّعًا وَرَجَاءً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يُلْهِمَ الْخُصُومَ الرِّضَا حَتَّى يَعْفُوا أَوْ يَقْبَلُوا الْأَرْشَ، وَبِهَذَا جَزَمَ الطِّيبِيُّ فَقَالَ: لَمْ يَقُلْهُ رَدًّا لِلْحُكْمِ بَلْ نَفَى وُقُوعَهُ لِمَا كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ اللُّطْفِ بِهِ فِي أُمُورِهِ وَالثِّقَةِ بِفَضْلِهِ أَنْ لَا يُخَيِّبَهُ فِيمَا حَلَفَ بِهِ وَلَا يُخَيِّبَ ظَنَّهُ فِيمَا أَرَادَهُ بِأَنْ يُلْهِمَهُمُ الْعَفْوَ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَرَادَ.
وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ فِيمَا يَظُنُّ وُقُوعَهُ وَالثَّنَاءَ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاسْتِحْبَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَالشَّفَاعَةُ فِي الْعَفْوِ، وَأَنَّ الْخِيرَةَ فِي الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ الْقِصَاصِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْجِرَاحَاتِ وَفِي الْأَسْنَانِ.
وَفِيهِ الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ السِّنِّ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا أَمْكَنَ التَّمَاثُلُ بِأَنْ يَكُونَ الْمَكْسُورُ مَضْبُوطًا فَيَبْرُدُ مِنْ سِنِّ الْجَانِي مَا يُقَابِلُهُ بِالْمِبْرَدِ مَثَلًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ كَيْفَ؟ فَقَالَ: يَبْرُدُ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْكَسْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْقَلْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
٢٠ - بَاب دِيَةِ الْأَصَابِعِ
٦٨٩٥ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ، يَعْنِي: الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ. . نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ) أَيْ هَلْ مُسْتَوِيَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ؟.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ شُعْبَةَ الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ، وَحَذَفَ لَفْظَةَ يَعْنِي وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَشْرٌ عَشْرٌ وَلِعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ.
وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ: دِيَتُهُمَا سَوَاءٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ الْأَصَابِعُ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ الْأَسْنَانُ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَفِي لَفْظٍ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ بَعَثَهُ مَرْوَانُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْأَصَابِعِ فَقَالَ قَضَى النَّبِيُّ ﷺ فِي الْيَدِ خَمْسِينَ وَكُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ، وَكَذَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ وَسَأَذْكُرُ سَنَدَهُ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ كُلُّهُنَّ فِيهِ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفَرَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَيْنِ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ نَحْوَهُ) نَزَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا السَّنَدِ دَرَجَةً مِنْ أَجْلِ وُقُوعِ