للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُرْجَى عِنْدَ تَبْدِيلِ الْمَحَلِّ تَبْدِيلُ الْحَالِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ لِلْمُجَاوَرَةِ تَأْثِيرًا فِي الطَّاعَةِ وَفِي الْمَعْصِيَةِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الزَّانِيَ إِذَا حُدَّ ثُمَّ زَنَى لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَإِذَا زَنَى مَرَّاتٍ وَلَمْ يُحَدَّ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ.

قُلْتُ: مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا زَنَى ابْتِدَاءُ كَلَامٍ قَالَهُ لِتَكْمِيلِ الْفَائِدَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا بِخِلَافِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ.

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ فِي التَّعْزِيرَاتِ إِذَا لَمْ يُفِدْ مَقْصُودُهَا مِنَ الزَّجْرِ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبَةٌ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُفِدْ عَدَلَ إِلَى تَرْكِ شَرْطِ إِقَامَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَهُوَ الْمَلِكُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بِيعُوهَا وَلَمْ يَقُلِ: اجْلِدُوهَا كُلَّمَا زَنَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ قَدْ تَعَرَّضَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِذَا عَلِمَ الْمُعَزِّرُ فِي أَنَّ التَّأْدِيبَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ فَلْيَتْرُكْهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَلَيْسَ لَهُ الْإِهْلَاكُ، وَغَيْرَ الْمُبَرِّحِ لَا يُفِيدُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْزِيرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ، الْتَحَقَ بِالْحَدِّ، فَلْيُعَزِّرْهُ بِغَيْرِ الْمُبَرِّحِ وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ.

وَفِيهِ أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنِ السُّلْطَانَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ.

٣٦ - بَاب لَا يُثَرَّبُ عَلَى الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ، وَلَا تُنْفَى

٦٨٣٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ : إِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ. تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (بَابُ لَا يُثَرَّبُ عَلَى الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَا تُنْفَى) أَمَّا التَّثْرِيبُ - بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ - فَهُوَ التَّعْنِيفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ. وَقَدْ جَاءَ بِلَفْظِ: وَلَا يُعَنِّفُهَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ. وَأَمَّا النَّفْيُ فَاسْتَنْبَطُوهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلْيَبِعْهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّفْيِ الْإِبْعَادُ عَنِ الْوَطَنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَعْصِيَةُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْبَيْعِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: فَلْيَجْلِدْهَا وَقَالَ: فَلْيَبِعْهَا، فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُنْفَى لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَأَشْبَهَ الْآبِقَ.

قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّفْيِ، أَوْ يَتَّفِقُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ وُجُودُ النَّفْيِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: تُسْتَثْنَى الْأَمَةُ لِثُبُوتِ حَقِّ السَّيِّدِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالنَّفْيُ فَرْعٌ.

قُلْتُ: وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ: رُوعِيَ حَقُّ السَّيِّدِ فِيهِ أَيْضًا بِتَرْكِ الرَّجْمِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ مِنْ أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْجَلْدِ، وَاسْتَمَرَّ نَفْيُ الْعَبْدِ إِذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، وَاسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَثْنَى نَفْيَ الرَّقِيقِ بِأَنَّهُ لَا وَطَنَ لَهُ وَفِي نَفْيِهِ قَطْعُ حَقِّ السَّيِّدِ لِأَنَّ عُمُومَ الْأَمْرِ بِنَفْيِ الزَّانِي عَارَضَهُ عُمُومُ نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالْإِمَاءِ مِنَ الرَّقِيقِ دُونَ الذُّكُورِ، وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا يُشْرَعُ نَفْيُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الرَّقِيقِ، فَالصَّحِيحُ نِصْفُ سَنَةٍ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي ثَالِثٍ لَا نَفْيَ عَلَى رَقِيقٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ.

قَوْلُهُ: (إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا) أَيْ ظَهَرَ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ بِالْبَيِّنَةِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ تَبَيَّنَ، وَقِيلَ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ السَّيِّدِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَجْلِدْهَا) أَيِ الْحَدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ صَرِيحِ الْآيَةِ ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَلْيَجْلِدْهَا بِكِتَابِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا