حَدِيثُ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (يَرْفَعُهُ) هِيَ لَفْظَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُحَدِّثُونَ فِي مَوْضِعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا) يُقَالُ هُوَ أَبُو طَالِبٍ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ الْآيَةَ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا. وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْقِصَاصِ، وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِيُلَمِّحَ بِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ حَيْثُ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَمْ يَصِحَّ عَلَى شَرْطِهِ شَيْءٌ مِنْ قِصَّتِهِمَا، وَفِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ كِفَايَةٌ عَنْ غَيْرِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْقَاتِلِ فَالْمَشْهُورُ قَابِيلُ بِوَزْنِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ أَوَّلَهُ هَاءٌ، وَقِيلَ اسْمُ الْمَقْتُولِ قَيْنُ بِلَفْظِ الْحَدَّادِ وَقِيلَ: قَايِنُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَشَايِخِهِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ سَبَبَ قَتْلِ قَابِيلَ لِأَخِيهِ هَابِيلَ أَنَّ آدَمَ كَانَ يُزَوِّجُ ذَكَرَ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ وَلَدِهِ بِأُنْثَى الْآخَرِ، وَأَنَّ أُخْتَ قَابِيلَ كَانَتْ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، فَأَرَادَ قَابِيلُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِأُخْتِهِ فَمَنَعَهُ آدَمُ، فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ أَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا، فَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةً مِنْ زَرْعٍ وَكَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ، وَقَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً وَكَانَ صَاحِبَ مَوَاشٍ، فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ دُونَ قَابِيلَ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الشَّرِّ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ بِابْنَةٍ لَهُ وَإِنَّمَا زَوَّجَ قَابِيلَ جِنِّيَّةً وَزَوَّجَ هَابِيلَ حُورِيَّةً، فَغَضِبَ قَابِيلُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ، فَقَرِّبَا قُرْبَانًا. وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ جَابِرٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَنِي آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْلِيسَ لِأَنَّهُ أَبُو الْجِنِّ كُلِّهِمْ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحُورِ الْعِينِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ وَلَا شَاهِدٌ.
٢ - بَاب الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ
٣٣٣٦ - قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا.
قَوْلُهُ: (بَابٌ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ) كَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْجَمَةِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ رُكِّبُوا مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ) وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْهُ
قَوْلُهُ: (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنَ النَّاسِ يَحِنُّ إِلَى شَكْلِهِ، وَالشِّرِّيرَ نَظِيرُ ذَلِكَ يَمِيلُ إِلَى نَظِيرِهِ، فَتَعَارُفُ الْأَرْوَاحِ يَقَعُ بِحَسَبِ الطِّبَاعِ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي حَالِ الْغَيْبِ عَلَى مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَجْسَامِ، وَكَانَتْ تَلْتَقِي فَتَتَشَاءَمُ، فَلَمَّا حَلَّتْ بِالْأَجْسَامِ تَعَارَفَتْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَصَارَ تَعَارُفُهَا وَتَنَاكُرُهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ أَوَّلُ مَا خُلِقَتْ خُلِقَتْ عَلَى قِسْمَيْنِ، وَمَعْنَى تَقَابُلِهَا أَنَّ الْأَجْسَادَ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ إِذَا الْتَقَتْ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ أَوِ اخْتَلَفَتْ عَلَى حَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْوَاحُ فِي الدُّنْيَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِالتَّعَارُفِ. قُلْتُ: وَلَا يُعَكِّرُ