إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَصِفَاتُ الْفِعْلِ تَلْتَحِقُ بِالْكِنَايَةِ، فَعِزَّةُ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَكَذَا جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: مَنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ يُرِيدُ الْيَمِينَ أَوْ لَا يُرِيدُهُ فَهِيَ يَمِينٌ انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْقُدْرَةُ تَحْتَمِلُ صِفَةَ الذَّاتِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ صَرِيحَةً، وَتَحْتَمِلُ إِرَادَةَ الْمَقْدُورِ فَتَكُونُ كِنَايَةً كَقَوْلِ مَنْ يَتَعَجَّبُ مِنَ الشَّيْءِ: انْظُرْ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَكَذَا الْعِلْمُ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الدُّعَاءِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَعَاذُ إِلَّا بِاللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَخَفِيَ هَذَا عَلَى ابْنِ التِّينِ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِالصِّفَةِ كَمَا بَوبَ عَلَيْهِ. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ الْمُنِيرِ مَا نَصُّهُ، قَوْلُهُ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ دُعَاءٌ وَلَيْسَ بِقَسَمٍ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُقَرَّرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَاذُ إِلَّا بِالْقَدِيمِ ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْعِزَّةَ مِنَ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ لَا مِنْ صِفَةِ الْفِعْلِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَخْ) وَفِيهِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَشْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ ذَلِكَ مُقَرِّرًا لَهُ، فَيَكُونُ حُجَّةً فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَيُّوبُ) ﵇ (وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا غَنَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمَدِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ مَعْنَى الْغَنَاءِ بِالْمَدِّ الْكِفَايَةُ يُقَالُ: مَا عِنْدَ فُلَانٍ غَنَاءٌ أَيْ لَا يُغْتَنَى بِهِ، وَهُوَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَوَّلُهُ أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَغْتَسِلُ فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ الْحَدِيثَ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ أَيُّوبَ ﵇ لَا يَحْلِفُ إِلَّا بِاللَّهِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ.
قَوْلُهُ: (شَيْبَانُ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَوْلُهُ: (فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق وَالْقَوْلُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ جَهَنَّمَ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي مَزِيدٍ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ) وَصَلَ رِوَايَتُهُ فِي تَفْسِيرِ ق، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَوْصُولَةَ عَنْ أَنَسٍ بِالْعَنْعَنَةِ، لَكِنَّ شُعْبَةَ مَا كَانَ يَأْخُذُ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَنْهُمُ التَّدْلِيسَ إِلَّا مَا صَرَّحُوا فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ.
(تَنْبِيهٌ): لَمَحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى رَدِّ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ، فَفِي تَرْجَمَةِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ مِنْ الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا تَحْلِفُوا بِحَلِفِ الشَّيْطَانِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ وَعِزَّةِ اللَّهِ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ انْتَهَى. وَفِي الْمَسْعُودِيِّ ضَعْفٌ، وَعَوْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُنْقَطِعٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْعِزَّةِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
١٣ - بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ لَعَيْشُكَ
٦٦٦٢ - حَدَّثَنَا الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح. وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ،