اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ) أَيِ الْعَذَابَ، وَهَذَا مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ الْحُمَّى مِنْ جَهَنَّمَ أَنَّ مَنْ أَصَابَتْهُ عُذِّبَ بِهَا، وَهَذَا التَّعْذِيبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحِلِّهِ: فَيَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِهِ وَزِيَادَةً فِي أُجُورِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلِلْكَافِرِ عُقُوبَةً وَانْتِقَامًا. وَإِنَّمَا طَلَبَ ابْنُ عُمَرَ كَشْفَهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ لِمَشْرُوعِيَّةِ طَلَبِ الْعَافِيَةِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، إِذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُكَفِّرَ سَيِّئَاتِ عَبْدِهِ وَيُعْظِمَ ثَوَابَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (عَنْ هِشَامٍ) هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، أَيِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ، هِيَ بِنْتُ عَمِّهِ وَزَوْجَتُهُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ جَدَّتُهُمَا لِأَبَوَيْهِمَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ: هُوَ مَا يَكُونُ مُفْرَجًا مِنَ الثَّوْبِ كَالْكُمِّ وَالطَّوْقِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا.
قَوْلُهُ: (أَنْ نَبْرُدَهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي ذَرٍّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ التَّبْرِيدِ، وَهُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ أَبْرِدْ بِهَمْزَةٍ مَقْطُوعَةٍ، زَادَ عَبْدَةُ فِي رِوَايَتِهِ: وَقَالَ: إِنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ أَيْضًا. وَأَشَارَ بِإِيرَادِ رِوَايَتِهِ هَذِهِ عَقِبَ الْأُولَى إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ اخْتِلَافًا عَلَى هِشَامٍ، بَلْ لَهُ فِي هَذَا الْمَتْنِ إِسْنَادَانِ، بِقَرِينَةِ مُغَايَرَةِ السِّيَاقَيْنِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ: مِنْ فَوْحِ بِالْوَاوِ، وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: مِنْ فَوْرِ، وَكُلُّهَا بِمَعْنًى، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بِلَفْظِ: فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِزِيَادَةِ: عَنْكُمْ، وَكَذَا زَادَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا.
٢٩ - بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لَا تُلَايِمُهُ
٥٧٢٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا - أَوْ: رِجَالًا - مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، وَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لَا تُلَايِمُهُ) بِتَحْتَانِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ، وَأَصْلُهُ بِالْهَمْزِ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فَسُهِّلَ، وَهُوَ مِنَ الْمُلَاءَمَةِ بِالْمَدِّ، أَيِ: الْمُوَافَقَةِ وَزْنًا وَمَعْنًى. وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا قَرِيبًا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْدَهُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ. وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٠ - بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ
٥٧٢٨ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ،