وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْحَقُهُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ مَا عَمِلَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا عِلْمِهِ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْجَمَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ، وَسَيَأْتِي نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ كُلِّهِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ) يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ) أَيْ: سَاقَتْهُ لَكَ سِيَاقًا تَامًّا لَمْ تَخْتَصِرْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى رِوَايَتِهِ هُوَ عَنْ عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا فِي هَذَا الْبَابِ.
١١٦ - بَاب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى
١٧١٠ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ﵁ كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: مَنْحَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (بَابُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى) قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَنْحَرُ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ. انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَثَرٍ أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: كَانَ مَنْزِلُ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى عَنْ يَسَارِ الْمُصَلَّى. قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ طَاوُسٍ مِنْ أَشْيَاخِنَا مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَأَمَرَ بِنِسَائِهِ أَنْ يَنْزِلْنَ جَنْبَ الدَّارِ بِمِنًى، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ أَنْ يَنْزِلُوا الشِّعْبَ وَرَاءَ الدَّارِ. قُلْتُ: وَالشِّعْبُ هُوَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَلِلنَّحْرِ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ. انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَفْظُهُ: نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ. وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ نَحْرَهُ ﷺ بِذَلِكَ الْمَكَانِ وَقَعَ عَنِ اتِّفَاقٍ، لَا لِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالنُّسُكِ، وَلَكِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَنْحَرُ إِلَّا بِمِنًى، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلَ مَالِكٍ فِي النَّحْرِ بِمِنًى لِلْحَاجِّ وَالنَّحْرِ بِمَكَّةَ لِلْمُعْتَمِرِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَرْجِيحِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ، كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَبُو نُعَيْمٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ) أَيِ: ابْنُ عُمَرَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مُرَادَ نَافِعٍ بِإِطْلَاقِ الْمَنْحَرِ مَنْحَرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَضَاحِيِّ أَوْضَحَ مِنْ هَذَا، وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي مَنْحَرَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلِهَذَا أَرْدَفَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِطَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ الْمُصَرِّحَةِ بِإِضَافَةِ الْمَنْحَرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ، وَأَفَادَتْ رِوَايَةُ مُوسَى زِيَادَةَ وَقْتِ بَعْثِ الْهَدْيِ إِلَى الْمَنْحَرِ، وَأَنَّهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ.
١٧١١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمْ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ.
قَوْلُهُ (مَعَ حُجَّاجٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ حَاجٍّ، وَقَوْلُهُ (فِيهِمُ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ)، مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَعْثُ الْهَدْيِ مَعَ الْأَحْرَارِ دُونَ الْأَرِقَّاءِ، وَسَيَأْتِي فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأُضْحِيَةِ بِالْمَدِينَةِ.