كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْحَائِضِ تُرَجِّلُ رَأْسَ الْمُعْتَكِفِ) أَيْ: تَمْشُطُهُ وَتَدْهُنُهُ.
قَوْلُهُ: (يُصْغِي إِلَيَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: يُمِيلُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُجَاوِرٌ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ: كَانَ يَأْتِينِي وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَّكِئُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ وَسَائِرُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَوَائِدُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ وَالِاعْتِكَافَ وَاحِدٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغَسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّنِ إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ إِلَّا مَا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنْ مَالِكٍ تُكْرَهُ فِيهِ الصَّنَائِعُ وَالْحِرَفُ حَتَّى طَلَبُ الْعِلْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِخْدَامُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِرِضَاهَا، وَفِي إِخْرَاجِهِ رَأْسَهُ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ بَعْضَ بَدَنِهِ مِنْ مَكَانٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا.
٣ - بَاب لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ
٢٠٢٩ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا.
قَوْلُهُ: (بَابٌ لَا يَدْخُلُ) أَيِ: الْمُعْتَكِفُ (الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ) كَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ.
[الحديث ٢٠٢٩ - أطرافه في: ٢٠٣٣، ٢٠٣٤، ٢٠٤١، ٢٠٤٥]
قَوْلُهُ: (عَنْ عُرْوَةَ) أَيِ: ابْنِ الزُّبَيْرِ (وَعَمْرَةَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَرَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَابَعَ مَالِكًا، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَاهُ كَذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَنَّ الْبَاقِينَ اخْتَصَرُوا مِنْهُ ذِكْرَ عَمْرَةَ، وَأَنَّ ذِكْرَ عَمْرَةَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَوَافَقَ اللَّيْثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَلَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ) زَادَ مُسْلِمٌ: إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِثْنَائِهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْحَاجَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَوْ خَرَجَ لَهُمَا فَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ. وَيُلْتَحَقُ بِهِمَا الْقَيْءُ وَالْفَصْدُ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يَقُولُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ، وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلُهَا: لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَمَا عَدَاهُ مِمَّنْ دُونَهَا، وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَالنَّخَعِيَّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِنْ شَهِدَ الْمُعْتَكِفُ جِنَازَةً أَوْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْجُمُعَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ إِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute