للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبِي ذَرٍّ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْقَصْرَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُمُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالْقَصْرُ عِنْدَهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ صَلَّى أَرْبَعًا بِاتِّفَاقِهِمْ، وَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ الْقَصْرَ لَمْ يَأْتَمَّ مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَمَّا كَانَ الْفَرْضُ لَا بُدَّ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِي الْإِتْيَانِ بِبَعْضِهِ، وَكَانَ التَّخْيِيرُ مُخْتَصًّا بِالتَّطَوُّعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَتَخَيَّرُ فِي الِاثْنَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّا وَجَدْنَا وَاجِبًا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ بِمِنًى اهـ.

وَنَقَلَ الدَّاوُدِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ فَرْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَرْضِ حَيْثُ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَالَ إِنَّ الْخِلَافَ شَرٌّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ صَحِيحَةٌ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَاسِدَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ السَّبَبِ فِي إِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ بَابَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٣ - بَاب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّتِهِ

١٠٨٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ. تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ.

[الحديث ١٠٨٥ - أطرافه في: ٣٨٣٢. ٢٥٠٥. ١٥٦٤]

قَوْلُهُ: (بَابُ كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّتِهِ) أَيْ مِنْ يَوْمِ قُدُومِهِ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيَانُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُحَقَّقَ فِيهِ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ هِيَ مُدَّةُ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى، ثُمَّ إِلَى عَرَفَةَ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مُلَفَّقَةً؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ فِي الرَّابِعِ، وَخَرَجَ فِي الثَّامِنِ فَصَلَّى بِهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً مِنْ أَوَّلِ ظُهْرِ الرَّابِعِ إِلَى آخِرِ ظُهْرِ الثَّامِنِ (١). وَقِيلَ: أَرَادَ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِغَايَتِهَا فَإِنَّهَا تُعْرَفُ مِنَ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ بَيْنَ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي مِنْ مِنًى إِلَى الْأَبْطَحِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، كَانَ يَبْرِي النَّبْلَ، وَاسْمُهُ زِيَادٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، وَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى مُتَابَعَةِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٤ - بَاب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؟

وَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا

١٠٨٦ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ


(١) فيما قاله الشارح هنا نظر " وسبق أنه صلى الظهر يوم الثامن بمنى، كما صح ذلك من حديث جابر وغير، وعليه يكون المحفوظ أنه صلى بمكة قبل التوجه إلى منى عشرين صلاة فقط أولها ظهر اليوم الرابع وآخرها فجر اليوم الرابع فقد اختلف فيه هل صلاه بمكة أو في الطريق. والله أعلم