سَمَّاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَكِّيٌّ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَوَهَمَ الطَّرْقِيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ ابْنُ حَكِيمٍ، وَلَيْسَ لِيَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ مَا بَيْنَ مَكِّيٍّ وَبَصْرِيٍّ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ بَطْنٌ مِنَ الْخَزْرَجِ شَهِيرٌ.
قَوْلُهُ: (تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا) هِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ، وَقِيلَ: سَعْدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو أَنْصَارِيَّةٌ خَزْرَجِيَّةٌ، ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَابْنُهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ، قَالَا: فَلَمَّا رَجَعُوا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ حِينَئِذٍ مَعَ أَبَوَيْهِ بِمَكَّةَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (الْمِخْرَافَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ، أَيِ الْمَكَانَ الْمُثْمِرَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يَخْرُفُ مِنْهُ أَيْ يَجْنِي مِنَ الثَّمَرَةِ، تَقُولُ: شَجَرَةٌ مِخْرَافٌ، وَمِثْمَارٌ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمِخْرَفَ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَهُوَ اسْمُ الْحَائِطِ الْمَذْكُورِ، وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ.
[١٦ - باب إذا تصدق أو وقف بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز.]
٢٧٥٧ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ بن مالك ﵁ قلت:، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ ﷺ، قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ.
[الحديث ٢٧٥٧ - أطرافه في: ٢٩٤٧، ٢٩٤٨، ٢٩٤٩، ٢٩٥٠، ٣٠٨٨، ٣٥٥٦، ٣٨٨٩، ٣٩٥١، ٤٤١٨، ٤٦٧٣، ٤٦٧٦، ٤٦٧٧، ٤٦٧٨، ٦٢٥٥، ٦٦٩٠، ٧٢٢٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا تَصَدَّقَ، أَوْ وَقَفَ بَعْضَ مَالِهِ أَوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِجَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ، وَالْمُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا جَوَازُ وَقْفِ الْمُشَاعِ، وَالْمُخَالِفُ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَكِنْ خَصَّ الْمَنْعَ بِمَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْجُورِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إِفْرَازٌ فَلَا مَحْذُورَ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَقْفُ الْمُشَاعِ وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا إِذَا وَقَفَ جُزْءًا مِنَ الْعَبْدِ أَوِ الدَّابَّةِ أَوْ وَقَفَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ فَرَسَيْهِ مَثَلًا، فَيَصِحُّ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ وَقْفَ الْمَنْقُولِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي التَّعْيِينِ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي … إِلَخْ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مَعَ اسْتِيفَاءِ شَرْحِهِ. وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَمْرِهِ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَالِهِ وَإِمْسَاكِ بَعْضِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَقْسُومًا أَوْ مُشَاعًا، فَيَحْتَاجُ مَنْ مَنَعَ وَقْفَ الشَّارِعِ إِلَى دَلِيلِ الْمَنْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.