للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٦٥ - كِتَاب التَفْسِيرِ

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اسْمَانِ مِنْ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِمِ.

قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - كِتَابُ التَّفْسِيرِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَر: كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَأَخَّرَ غَيْرُهُ الْبَسْمَلَةَ. وَالتَّفْسِيرُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ، تَقُولُ: فَسَرْتُ الشَّيْءَ، بِالتَّخْفِيفِ، أَفْسِرُهُ فَسْرًا، وَفَسَّرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أُفَسِّرُهُ تَفْسِيرًا: إِذَا بَيَّنْتَهُ. وَأَصْلُ الْفَسْرِ: نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعِلَّةَ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ فَسَرَتِ الْفَرَسَ إِذَا رَكَضْتَهَا مَحْصُورَةً لِيَنْطَلِقَ حَصْرُهَا. وَقِيلَ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ سَفَرَ كَجَذَبَ وَجَبَذَ، تَقُولُ: سَفَرَ إِذَا كَشَفَ وَجْهَهَ، وَمِنْهُ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذَا أَضَاءَ. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ: هُمَا بِمَعْنًى. وَقِيلَ: التَّفْسِيرُ هو بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ، وَالتَّأْوِيلُ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْمَعْنَى، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْتُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ.

قَوْلُهُ: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ)، أَيْ: مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَالرَّحْمَةُ لُغَةً الرِّقَّةُ وَالِانْعِطَافُ، وَعَلَى هَذَا فَوَصْفُهُ بِهِ تَعَالَى مَجَازٌ عَنْ إِنْعَامِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ لَا صِفَةُ ذَاتٍ. وَقِيلَ: لَيْسَ الرَّحْمَنُ مُشْتَقًّا، لِقَوْلِهِمْ: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَهِلُوا الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُولُوا: وَمَنِ الرَّحْمَنُ؟ وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّهُ جَاءَ غَيْرَ تَابِعٍ لِمَوْصُوفٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ﴾، ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾، ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ﴾ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَجِيئِهِ غَيْرَ تَابِعٍ أَنْ لَا يَكُونَ صِفَةً، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ إِذَا عُلِمَ جَازَ حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ صِفَتِهِ.

قَوْلِهِ: (الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِمِ) هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَصِيغَةُ فَعِيلٍ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ، فَمَعْنَاهَا زَائِدٌ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ، وَقَدْ تَرِدُ صِيغَةُ فَعِيلٍ بِمَعْنَى الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَفِيهَا أَيْضًا زِيَادَةٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الثُّبُوتِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ لَا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَاحْتُرِزَ عَنْهُ.

وَاخْتُلِفَ هَلِ الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالنَّدْمَانِ وَالنَّدِيمِ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا؟ أَوْ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ بِحَسَبِ الْمُتَعَلِّقِ فَهُوَ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ رَحْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا تَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ وَفِي الْآخِرَةِ تَخُصُّ الْمُؤْمِنَ، أَوِ التَّغَايُرُ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولَهَا؛ تَقُولُ: فُلَانٌ غَضْبَانُ إِذَا امْتَلَأَ غَضَبًا، وَأَرْدَفَ بِالرَّحِيمِ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ. وَقِيلَ: الرَّحِيمُ أَبْلَغُ لِمَا يَقْتَضِيهِ صِيغَةُ فَعِيلٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِهَةَ الْمُبَالَغَةِ فِيهِمَا مُخْتَلِفَةٌ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَمَّا تَسَمَّى بِالرَّحْمَنِ كَمُسَيْلِمَةَ جِيءَ بِلَفْظِ الرَّحِيمِ لِقَطْعِ التَّوَهُّمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوصَفْ بِهِمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: الرَّحْمَنُ إِذَا سُئِلَ أَعْطَى وَالرَّحِيمُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ يَغْضَبُ، وَمِنَ الشَّاذِّ مَا رُوِيَ عَنِ الْمُبَرِّدِ، وَثَعْلَبٍ أَنَّ الرَّحْمَنَ عِبْرَانِيٌّ وَالرَّحِيمَ عَرَبِيٌّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَالزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ وُجِدَ فِي اللِّسَانِ الْعِبْرَانِيِّ لَكِنْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١ - بَاب مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ