عَلَى عَادَتِهِ فَخَصَّ التَّفْرِقَةَ بِالْفَأْرَةِ، فَلَوْ وَقَعَ غَيْرُ جِنْسِ الْفَأْرِ مِنَ الدَّوَابِّ فِي مَائِعٍ لَمْ يَنْجُسْ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَضَابِطُ الْمَائِعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَتَرَادَّ بِسُرْعَةٍ إِذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَمَاتَتْ عَلَى أَنَّ تَأْثِيرَهَا فِي الْمَائِعِ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَوْتِهَا فِيهِ فَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ وَخَرَجَتْ بِلَا مَوْتٍ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَوْتِ، فَيَلْزَمُ مَنْ لَا يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ بِالتَّأْثِيرِ وَلَوْ خَرَجَتْ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ، وَقَدِ الْتَزَمَهُ ابْنُ حَزْمٍ فَخَالَفَ الْجُمْهُورَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا) لَمْ يَرِدْ فِي طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ تَحْدِيدُ مَا يُلْقَى، لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ يَكُونُ قَدْرَ الْكَفِّ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ لَوْلَا إِرْسَالُهُ، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَرَ أَنْ يُقَوَّرَ مَا حَوْلَهَا فَيرمي بِهِ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ جَامِدًا مِنْ قَوْلِهِ وَمَا حَوْلَهَا فَيَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مِنَ التَّقْيِيدِ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ثَلَاثُ غُرُفَاتٍ بِالْكَفَّيْنِ فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ ظَاهِرًا فِي الْمَائِعِ.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمُفَصَّلَةِ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي شَيْءٍ، فَيَحْتَاجُ مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَالشَّافِعِيَّةِ وَأَجَازَ بَيْعَهُ كَالْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْجَوَابِ - أَعْنِي الْحَدِيثَ - فَإِنَّهُمُ احْتَجُّوا بِهِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِنْ كَانَ السَّمْنُ مَائِعًا انْتَفَعُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوهُ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ. وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي زَيْتٍ قَالَ اسْتَصْبِحُوا بِهِ وَادْهُنُوا بِهِ أُدُمَكُمْ وَهَذَا السَّنَدُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَأْرَةَ طَاهِرَةُ الْعَيْنِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ.
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ (سُئِلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) هُوَ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِإِبْهَامِ السَّائِلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ تَعْيِينُ مَنْ سَأَلَ، وَلَفْظُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ إِنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ فَأْرَةٍ الْحَدِيثَ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ اسْتَفْتَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٥ - بَاب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ
٥٥٤١ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ،، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُضْرَبَ.
تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ قال: حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ وَقَالَ تُضْرَبُ الصُّورَةُ.
٥٥٤٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً، حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا.
قَوْلُهُ (بَابُ الْعَلَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَالْوَسْمُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْمُعْجَمَةِ فَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْهِ وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ، فَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ هُنَا بِالْمُهْمَلَةِ لِقَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَسْمِ أَنْ يُعَلَّمَ الشَّيْءُ بِشَيْءٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ تَأْثِيرًا بَالِغًا، وَأَصْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْبَهِيمَةِ عَلَامَةً لِيُمَيِّزَهَا عَنْ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ (عَنْ حَنْظَلَةَ) هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ (أَنْ تُعْلَّمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُجْعَلُ فِيهَا