للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، قَالَ: إِنْ شِئْتِ، فَعَمِلَتْ الْمِنْبَرَ.

[الحديث ٤٤٩ - أطرافه في: ٣٥٨٥، ٣٥٨٤، ٢٠٩٥، ٩١٨]

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا خَلَّادٌ) هُوَ ابْنُ يَحْيَى، وَأَيْمَنُ بِوَزْنِ أَفْعَلَ، وَهُوَ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ امْرَأَةً) هِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ جَابِرٍ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ حَدِيثِ سَهْلٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا أَنَّهَا ابْتَدَأَتْ بِالْعَرْضِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّهُ ﷺ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهَا يَطْلُبُ ذَلِكَ، أَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ابْتَدَأَتْ بِالسُّؤَالِ مُتَبَرِّعَةً بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَصَلَ لَهَا الْقَبُولُ أَمْكَنَ أَنْ يُبْطِئَ الْغُلَامُ بِعَمَلِهِ، فَأَرْسَلَ يَسْتَنْجِزُهَا إِتْمَامَهُ لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهَا بِمَا بَذَلَتْهُ. قَالَ: وَيُمْكِنُ إِرْسَالُهُ إِلَيْهَا لِيُعَرِّفَهَا بِصِفَةِ مَا يَصْنَعُهُ الْغُلَامُ مِنَ الْأَعْوَادِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْبَرًا.

قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: أَلَا أَجْعَلُ لَكَ منبرًا، فَلَعَلَّ التَّعْرِيفَ وَقَعَ بِصِفَةٍ لِلْمِنْبَرِ مَخْصُوصَةٍ. أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إِلَيْهَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ لَهَا: إِنْ شِئْتِ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْبُطْءِ، لَا أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ شَرَعَ وَأَبْطَأَ، وَلَا أَنَّهُ جَهِلَ الصِّفَةَ، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي.

قَوْلُهُ: (أَلَا أَجْعَلُ لَكَ) أَضَافَتِ الْجَعْلَ إِلَى نَفْسِهَا مَجَازًا.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَإِنِّي لِي غُلَامٌ نَجَّارٌ وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْمَتْنَ أَيْضًا، وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ قَبُولُ الْبَذْلِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَاسْتِنْجَازُ الْوَعْدِ مِمَّنْ يُعْلَمُ مِنْهُ الْإِجَابَةُ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ بِعَمَلِ الْخَيْرِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٦٥ - بَاب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

٤٥٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ - عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ ﷺ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا) أَيْ: مَا لَهُ مِنَ الْفَضْلِ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، وَبُكَيْرٌ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْأَسْوَدِ. وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ: بُكَيْرٌ، وَعَاصِمٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ مِصْرِيُّونَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ آخِرِهِ مَدَنِيُّونَ، وَفِي وَسَطِهِ مَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ وَهُوَ بُكَيْرٌ، فَانْقَسَمَ الْإِسْنَادُ إِلَى مِصْرِيٍّ وَمَدَنِيِّ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ) وَقْعَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ - قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ كَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَيْ: فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ. وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: حِينَ بَنَى أَيْ: حِينِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَانَ بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ. انْتَهَى.

وَلَمْ يَبْنِ عُثْمَانُ الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً، وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاقُ الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ. أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْضُ الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ.

قَوْلُهُ: (مَسْجِدُ الرَّسُولِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْحَمَوِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

قَوْلُهُ: (إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ) حُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَالْمُرَادُ الْكَلَامُ بِالْإِنْكَارِ