للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ مُرْسَلًا وَعَنْ رَبِيعَةَ مَوْصُولًا وَسَاقَهُ بِسِيَاقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ مِنَ التَّفْصِيلِ أَتْقَنُ وَأَضْبَطُ، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ السِّيَاقَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يُحَدِّثْ سُفْيَانَ إِلَّا بِإِسْنَادِهِ فَقَطْ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ فَقَالَ حَدَّثَنِي بِهِ يَزِيدُ عَنْ زَيْدٍ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ إِيهَامٌ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَوْضَحُ وَقَدْ وَافَقَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَلَفْظُهُ: قَالَ سُفْيَانُ فَأَتَيْتُ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ لَهُ: الْحَدِيثُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ فِي اللُّقَطَةِ هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ سُفْيَانُ: وكُنْتُ أَكْرَهُهُ لِلرَّأْيِ، أَيْ لِأَجْلِ كَثْرَةِ فَتْوَاهُ بِالرَّأْيِ، قَالَ: فَلِذَلِكَ لَمْ أَسْأَلْهُ إِلَّا عَنْ إِسْنَادِهِ، وَهَذَا السَّبَبُ فِي قِلَّةِ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ أَوْلَى مِنَ السَّبَبِ الَّذِي أَبَدَاهُ ابْنُ التِّينِ فَقَالَ: كَانَ قَصْدُ سُفْيَانَ لِطَلَبِ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِنْ قَصْدِهِ لِطَلَبِ الْفِقْهِ، وَكَانَ الْفِقْهُ عِنْدَ رَبِيعَةَ أَكْثَرَ مِنْهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ فَلِذَلِكَ أَكْثَرَ عَنْهُ سُفْيَانُ دُونَ رَبِيعَةَ، مَعَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ عَلَى وَفَاةِ رَبِيعَةَ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ بَلْ أَكْثَرَ اهـ.

وَاقْتَضَى قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ مَوْصُولًا وَإِنَّمَا وَصَلَهُ لَهُ رَبِيعَةُ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي اللُّقَطَةِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا، فَلَعَلَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ لِمَا حَدَّثَ بِهِ ابْنَ عُيَيْنَةَ مَا كَانَ يَتَذَكَّرُ وَصَلَهُ أَوْ دَلَّسَهُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ حِينَ حَدَّثَهُ بِهِ مَوْصُولًا وَإِنَّمَا سَمِعَ وَصْلَهُ مِنْ رَبِيعَةَ فَأَسْقَطَ رَبِيعَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ مَوْصُولًا أَيْضًا، وَمِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ اللُّقَطَةِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِهَا، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِهِ هَهُنَا الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ إِذَا غَابَ جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنِ الْمَالُ مِمَّا لَا يُخْشَى ضَيَاعُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَمَّا تَعَارَضَتِ الْآثَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فَكَانَ فِيهِ أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ وَفَاةِ صَاحِبِهَا، فَكَانَ إِلْحَاقُ الْمَالِ الْمَفْقُودِ بِهَا مُتَّجَهًا.

وَفِيهِ أَنَّ ضَالَّةَ الْإِبِلِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا لِاسْتِقْلَالِهَا بِأَمْرِ نَفْسِهَا فَاقْتَضَى أَنَّ الزَّوْجَةَ كَذَلِكَ لَا يُتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ خَبَرُ وَفَاتِهِ، فَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُخْشَى ضَيَاعُهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ صَوْنًا لَهُ عَنِ الضَّيَاعِ، وَمَا لَا فَلَا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ ضَالَّةِ الْغَنَمِ حُكْمُ الْمَالِ فِي وُجُوبِ تَعْوِيضِهِ لِصَاحِبِهِ إِذَا حَضَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٣ - بَاب الظِّهَارِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ فَقَالَ نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنْ النِّسَاءِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِمَا قَالُوا: أَيْ فِيمَا قَالُوا، وَفِي نقضِ مَا قَالُوا، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ.

قَوْلُهُ (بَابُ الظِّهَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَإِنَّمَا خُصَّ الظَّهْرُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَرْكُوبُ ظَهْرًا، فَشُبِّهَتِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الرَّجُلِ،