رُوَيْبَةَ - بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ - أَنَّهُ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ فَقَدْ حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ، وَقَالَ: السُّنَّةُ أَنَّ الدَّاعِيَ يُشِيرُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ، وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْخَطِيبِ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّمَسُّكِ بِهِ فِي مَنْعِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، مَعَ ثُبُوتِ الْأَخْبَارِ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رَفَعَهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، أَيْ: خَالِيَةً، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَكَرِهَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ ابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَرَأَى شُرَيْحٌ رَجُلًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ دَاعِيًا، فَقَالَ: مَنْ تَتَنَاوَلُ بِهِمَا لَا أُمَّ لَكَ؟ وَسَاقَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ: وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَخْتَصُّ الرَّفْعُ بِالِاسْتِسْقَاءِ، وَيَجْعَلُ بُطُونَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّمَا أَنْكَرَ رَفْعَهُمَا إِلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَقَالَ: لِيَجْعَلْهُمَا حَذْوَ صَدْرِهِ، كَذَلِكَ أَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَيْضًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الدُّعَاءِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ، وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُجَاوِزَ بِهِمَا رَأْسَهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَدْعُو عِنْدَ الْقَاصِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، بَاطِنُهُمَا مِمَّا يَلِيهِ، وَظَاهِرُهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ.
٢٤ - بَاب الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ
٦٣٤٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَتَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ وَمُطِرْنَا حَتَّى مَا كَادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ - أَوْ غَيْرُهُ - فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَدْ غَرِقْنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُمْطِرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ - أَوْ غَيْرُهُ - فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ عَنَّا، فَقَدْ غَرِقْنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الْأَوَّلِ: فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَوَجْهٌ أَخْذَهُ مِنَ التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَطِيبَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ﷺ لَمَّا دَعَا فِي الْمَرَّتَيْنِ اسْتَدَارَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي آخِرِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَلَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute