- بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ - اسْمُ أُمِّ عَطِيَّةَ.
قَوْلُهُ: (مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ بَعَثْتَ بِهَا أَنْتَ.
قَوْلُهُ: (بَلَغَتْ مَحَلَّهَا) أَيْ أَنَّهَا لَمَّا تَصَرَّفَتْ فِيهَا بِالْهَدِيَّةِ لِصِحَّةِ مِلْكِهَا لَهَا انْتَقَلَتْ عنْ حُكْمِ الصَّدَقَةِ، فَحَلَّتْ مَحَلَّ الْهَدِيَّةِ، وَكَانَتْ تَحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، وَهَذَا تَقْرِيرُ ابْنِ بَطَّالٍ بَعْدَ أَنْ ضَبَطَ مَحَلَّهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِهَا مِنَ الْحُلُولِ؛ أَيْ بَلَغَتْ مُسْتَقَرَّهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ. وَهَذَا نَظِيرُ قِصَّةِ بَرِيرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ مُخْتَصَرًا، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ. فَذَكَرَ الْإِسْنَادَ دُونَ الْمَتْنِ لِتَصْرِيحِ قَتَادَةَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ. وَأَبُو دَاوُدَ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ، وَرَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْهُ مُعَنْعَنًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ فَصَرَّحَ بِسَمَاعِ قَتَادَةَ مِنْ أَنَسٍ أَيْضًا، وَاسْتَنْبَطَ الْبُخَارِيُّ مِنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَأُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ إِذَا عَمِلَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا حَلَّ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَمْلِكُهُ بِالْهَدِيَّةِ مِمَّا كَانَ صَدَقَةً لَا بِالصَّدَقَةِ كَذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا يَمْلِكُهُ بِعَمَلِهِ لَا بِالصَّدَقَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْفُسِهُمْ وَبَيْنَهُ ﷺ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، بَلْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ تِلْكَ الْهَدِيَّةَ بِعَيْنِهَا خَرَجَتْ عنْ كَوْنِهَا صَدَقَةً بِتَصَرُّفِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٦٣ - بَاب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا
١٤٩٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ظ اهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَدُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ جَوَازَ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ الْمَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَيُّ فَقِيرٍ مِنْهُمْ رُدَّتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ فَقَدْ وَافَقَ عُمُومَ الْحَدِيثِ. انْتَهَى. وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ النَّقْلِ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ فُقَرَاؤُهُمْ، لَكِنْ رَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَظْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّيهِ أَنَّ أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ لَا تُعْتَبَرُ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمُ الْحُكْمُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ. انْتَهَى. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَجَازَ النَّقْلَ اللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ تَرْكُ النَّقْلِ، فَلَوْ خَالَفَ وَنَقَلَ أَجْزَأَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَمْ يُجْزِئْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا إِذَا فُقِدَ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute