النَّارِ حَتَّى يَسْتَعِينَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَاتِهِ أَوْ صِفَاتِهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ لِلنَّارِ: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا﴾ فَمَنْ يَأْمُرُ نَارًا أَجَّجَهَا غَيْرُهُ أَنْ تَنْقَلِبَ عَنْ طَبْعِهَا وَهُوَ الْإِحْرَاقُ، فَتَنْقَلِبُ، كَيْفَ يَحْتَاجُ فِي نَارٍ يُؤَجِّجُهَا هُوَ إِلَى اسْتِعَانَةٍ. انْتَهَى.
وَيُفْهَمُ جَوَابُهُ مِنَ التَّفْصِيلِ الْوَاقِعِ ثَالِثَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْجَنَّةَ يَقَعُ امْتِلَاؤُهَا بِمَنْ يُنْشِؤُهُمُ اللَّهُ لِأَجْلِ مَلْئِهَا، وَأَمَّا لنَّارُ فَلَا يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا بَلْ يَفْعَلُ فِيهَا شَيْئًا عَبَّرَ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي لَهَا أَنْ يَنْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَصِيرُ مَلْأَى وَلَا تَحْتَمِلُ مَزِيدًا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَمَلِ، بَلْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ كَمَا فِي الْأَطْفَالِ.
قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ) هُوَ الْوَاسِطِيُّ، وَأَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَلْقَهُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ) لِأَبِي سُفْيَانَ فِيهِ سَنَدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْجَزَائِرِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا.
وَقَوْلُهُ: (رَفَعَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ) الْقَائِلُ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الرَّاوِي عَنْهُ، وَقَالَ: يُوقِفُهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَهُوَ لُغَةٌ وَالْفَصِيحُ يَقِفُهُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَرْوِيهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ مَوْقُوفًا وَيَرْفَعُهُ أَحْيَانًا، وَقَدْ رَفَعَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثَةِ (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَقَعَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِهِ قَالَ مَعْمَرٌ وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِالْوَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ: (تَحَاجَّتْ) أَيْ تَخَاصَمَتْ.
قَوْلُهُ: (بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ) قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: الْمُتَكَبِّرُ الْمُتَعَاظِمُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْمُتَجَبِّرُ الْمَمْنُوعُ الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَكْتَرِثُ بِأَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْمُحْتَقَرُونَ بَيْنَهُمُ السَّاقِطُونَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنَ النَّاسِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ هُمْ عُظَمَاءٌ رُفَعَاءُ الدَّرَجَاتِ، لَكِنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ لِعَظَمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَخُضُوعِهِمْ لَهُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ وَالذِّلَّةِ فِي عِبَادِهِ، فَوَصْفُهُمْ بِالضَّعْفِ وَالسَّقَطِ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ الْأَغْلَبُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَمْيِيزًا يُدْرِكَانِ بِهِ وَيَقْدِرَانِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ وَالِاحْتِجَاجِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِلِسَانِ الْحَالِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدًا لِهَذَا فِي بَابِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢ - بَاب ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾
٤٨٥١ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾.
٤٨٥٢ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي قَوْلَهُ ﴿وَأدْبَارَ السُّجُودِ﴾ "