فِي رِوَايَةِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ كَمَا ذَكَرْتُهُ قَبْلُ، وَحَكَى الْحُمَيْدِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ في الْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ عُمَرُ؛ أَيِ الرَّجُلُ الَّذِي عَنَاهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا مِنَ الْبُخَارِيِّ، لَكِنْ نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ، فَهُوَ عُمْدَةُ الْحُمَيْدِيِّ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى رِوَايَةِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ مُطَرِّفٍ فَقَالَ فِي آخِرِهِ: ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ؛ يَعْنِي عُمَرَ، كَذَا فِي الْأَصْلِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ.
وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ: ظَاهِرُ سِيَاقِ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عُثْمَانُ، وَكَأَنَّهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِقِصَّةِ عُثْمَانَ مَعَ عَلِيٍّ جَزَمَ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَقَدْ سَبَقَتْ قِصَّةُ عُمَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَتْ لِمُعَاوِيَةَ أَيْضًا مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قِصَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعُمَرَ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا، وَكَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ كَانَ تَابِعًا لَهُ فِي ذَلِكَ، ففِي مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا وَابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا، فَسَأَلُوا جَابِرًا فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ هَذَا مَا يُعَكِّرُ عَلَى عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ فِي جَزْمِهِمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ هِيَ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، لَا الْعُمْرَةِ الَّتِي يَحُجُّ بَعْدَهَا، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهَا مُتْعَةَ الْحَجِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْمَرَ بَعْضَ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَمُرَادُهُ التَّمَتُّعُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَابِ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى.
وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا جَوَازُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَجَوَازُ نَسْخِهِ بِالسُّنَّةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ شَهِيرٌ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَوْ نَهَى عَنْهَا لَامْتَنَعَتْ، وَيَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْحُكْمِ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ النَّسْخِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ بِهِ لِكَوْنِهِ حَصَرَ وُجُوهَ الْمَنْعِ فِي نُزُولِ آيَةٍ أَوْ نَهْيٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ. وَفِيهِ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنْكَارُ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى بَعْضٍ بِالنَّصِّ.
٣٧ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾
١٥٧٢ - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ. فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ إِلَى أَمْصَارِكُمْ، الشَّاةُ تَجْزِي. فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ ﷺ وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute