عَادَ لِكَذَا بِمَعْنَى أَعَادَ فِيهِ وَأَبْطَلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي نَقْضِ مَا قَالُوا) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِنُونٍ وَقَافٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ، والْكُشْمِيهَنِيِّ بَعْضِ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَأْتِي بِفِعْلٍ يَنْقُضُ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُشْتَرَطُ الْفِعْلُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ، أَوْ يَكْفِي الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا، أَوِ الْعَزْمُ عَلَى إِمْسَاكِهَا وَتَرْكِ فِرَاقِهَا؟ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالثَّانِي قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ الْوَطْءُ بِعَيْنِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَحُكِيَ عَنْهُ الْعَزْمُ عَلَى الْإِمْسَاكِ وَالْوَطْءِ مَعًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالثَّالِثُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَثَمَّ قَوْلٌ رَابِعٌ سَنَذْكُرُهُ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ) هَذَا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَرْطَ الْعَوْدِ هُنَا أَنْ يَقَعَ بِالْقَوْلِ وَهُوَ إِعَادَةُ لَفْظِ الظِّهَارِ، فَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَبُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ مِنَ التَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ النَّحْوِيُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ أَيْ إِلَى قَوْلِ مَا قَالُوا: وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي إِنْكَارِهِ وَنَسَبَ قَائِلَهُ إِلَى الْجَهْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إِذَا أَعَادَ الْقَوْلَ الْمُحَرَّمَ الْمُنْكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ ثُمَّ تَحِلُّ لَهُ الْمَرْأَةُ؟ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: لَمَّا وَقَعَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ * فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُقُوعُ ضِدِّ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْمُظَاهَرَةِ، فَإِنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَمَسَّ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً قَبْلَ أَنْ تَمَسَّ، لَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إِذَا لَمْ تُرِدْ أَنْ تَمَسَّ فَأَعْتِقَ رَقَبَةً قَبْلَ أَنْ تَمَسَّ. وَقَدْ جَرَى بَحْثٌ بَيْنَ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَنْكَرَهُ ابْنُ دَاوُدَ وَقَالَ: الَّذِينَ خَالَفُوا الْقُرْآنَ لَا أَعُدُّ خِلَافَهُمْ خِلَافًا.
وَأَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَصِحَّ عَنْ بُكَيْرٍ بن الْأَشَجِّ، وَاخْتَلَفَ الْمُعْرِبُونَ فِي مَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَا قَالُوا﴾ فَقِيلَ: مَعْنَاهَا ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى الْجِمَاعِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا، أَيْ فَعَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ أَجْلِ مَا قَالُوا، فَادَّعَوْا أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَا قَالُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِمْ قَالَهُ الْأَخْفَشُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى الَّذِينَ كَانُوا يُظَاهِرُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا، أَيْ إِلَى الْمُظَاهَرَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ مَنْ يُوَجِّبُ الْكَفَّارَةَ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ كَلِمَةِ الظِّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى مِنْ، أَيِ اللَّوَاتِي قَالُوا لَهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتِنَا، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالُوا بِتَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ أَيْ يَعُودُونَ لِلْقَوْلِ فَسَمَّى الْمَقُولَ فِيهِنَّ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ كَمَا قَالُوا: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمَيرِ وَهُوَ مَضْرُوبُ الْأَمَيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
٢٤ - بَاب الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ، وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيَّ أَن خُذْ النِّصْفَ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فِي الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا وهي تصلي، أي نَعَمْ، وَقَالَ أَنَسٌ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ لَا حَرَجَ، وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute