لِأَخِيهِ نَظِيرُ مَا يَحْصُلُ لَهُ، لَا عَيْنَهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَحْصُلَ لِأَخِيهِ مَا حَصَلَ لَهُ لَا مَعَ سَلْبِهِ عَنْهُ وَلَا مَعَ بَقَائِهِ بِعَيْنِهِ لَهُ، إِذْ قِيَامُ الْجَوْهَرِ أَوِ الْعَرَضِ بِمَحَلَّيْنِ مُحَالٌ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ بْنُ سِرَاجٍ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ، وَحَقِيقَتُهُ تَسْتَلْزِمُ التَّفْضِيلَ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا أَحَبَّ لِأَخِيهِ مِثْلَهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْمَفْضُولِينَ. قُلْتُ: أَقَرَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا، وَفِيهِ نَظَرٌ. إِذِ الْمُرَادُ الزَّجْرُ عَنْ هَذِهِ الْإِرَادَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ. فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمُسَاوَاةِ.
وَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِتَرْكِ الْحَسَدِ وَالْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْغِشِّ، وَكُلُّهَا خِصَالٌ مَذْمُومَةٌ.
(فَائِدَةٌ): قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَمِنَ الْإِيمَانِ أَيْضًا أَنْ يُبْغِضَ لِأَخِيهِ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِبُغْضِ نَقِيضِهِ، فَتَرَكَ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ اكْتِفَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٨ - بَاب حُبُّ الرَّسُولِ ﷺ مِنْ الْإِيمَانِ
١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ حُبِّ الرَّسُولِ) اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ وَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ مِنَ الْإِيمَانِ ; لَكِنَّ الْأَحَبِّيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (شُعَيْبٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ الْحِمْصِيُّ، وَاسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَخْرِيجِ حَدِيثِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ. وَوَقَعَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، لِلدَّارَقُطْنِيِّ إِدْخَالُ رَجُلٍ - وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - بَيْنَ الْأَعْرَجِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّةٌ. فَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِدُونِهَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ. وَرَوَى ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، شَيْخِ الْبُخَارِيِّ، هَذَا الْحَدِيثَ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ، وَكَذَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُعَيْبٍ.
قَوْلُهُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُهِمِّ تَوْكِيدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْتَحْلِفٌ.
قَوْلُهُ: (لَا يُؤْمِنُ) أَيْ: إِيمَانًا كَامِلًا.
قَوْلُهُ: (أَحَبُّ) هُوَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ بِقَوْلِهِ: إِلَيْهِ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْفَصْلُ بِأَجْنَبِيٍّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ) قَدَّمَ الْوَالِدَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَهُ وَالِدٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ تَقْدِيمُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، وَذَلِكَ لِمَزِيدِ الشَّفَقَةِ. وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ.
١٥ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، ح. وَحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الدَّوْرَقِيُّ. وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا لَا يَقُولُ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا