للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُنِيرِ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ الِاسْتِفْهَامَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا مُبَيَّنَةٌ، لَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً بِذَلِكَ الرَّجُلِ، وَأَنْ تَكُونَ عَامَّةً لِكُلِّ مُحْرِمٍ، آثَرَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِفْهَامَ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ يُكَفَّنُ؛ أَيْ كَيْفِيَّةُ التَّكْفِينِ، وَلَمْ يَرِدِ الِاسْتِفْهَامُ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِيهِ، وَقَدْ جَزَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ تَرْجَمَ بِجَوَازِ التَّكْفِينِ فِي ثَوْبَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُمِسُّوهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، مِنْ: أَمَسَّ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِبَاحَةُ غُسْلِ الْمُحْرِمِ الْحَيَّ بِالسِّدْرِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ لَهُ، وَأَنَّ الْوِتْرَ فِي الْكَفَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ، وَأَنَّ الْكَفَنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لِأَمْرِهِ بِتَكْفِينِهِ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ أَمْ لَا. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْفِينِ الْمُحْرِمِ فِي ثِيَابِ إِحْرَامِهِ، وَأَنَّ إِحْرَامَهُ بَاقٍ، وَأَنَّهُ لَا يُكَفَّنُ فِي الْمَخِيطِ. وَفِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْفَاءِ لِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ، وَفِيهِ التَّكْفِينُ فِي الثِّيَابِ الْمَلْبُوسَةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ دَوَامِ التَّلْبِيَةِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْإِحْرَامُ، وَأَنَّ الْإِحْرَامَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ لَا بِالْوَجْهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُ.

(فَائِدَةٌ): يَحْتَمِلُ اقْتِصَارُهُ لَهُ عَلَى التَّكْفِينِ فِي ثَوْبَيْهِ لِكَوْنِهِ مَاتَ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ الْفَاضِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ غَيْرَهُمَا.

٢٢ - باب الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أَوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

١٢٦٩ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ قَمِيصَهُ، فَقَالَ: آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ قد نَهاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، قَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾

[الحديث ١٢٦٩ - أطرافه في: ٤٦٧٠، ٤٦٧٢، ٧٥٩٦]

١٢٧٠ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ.

[الحديث ١٢٧٠ - أطرافه في: ١٣٥٠، ٣٠٠٨، ٥٧٩٥]

قَوْلُهُ: (بَابُ الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أَوْ لَا يُكَفُّ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: ضَبَطَ بَعْضُهُمْ يُكَفُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَفَتْحِ الْكَافِ. وَبَعْضُهُمْ بِالْعَكْسِ، وَالْفَاءُ مَشْدُدَةٌ فِيهِمَا. وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: وَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ حَاتِمٍ الطَّرَابُلُسِيِّ، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي أَصْلِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَحَظَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾؛ أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ سَوَاءٌ كَانَ يُكَفُّ عَنْهُ الْعَذَابُ أَوْ لَا يُكَفُّ، اسْتِصْلَاحًا لِلْقُلُوبِ