للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بْنَ الْعَلَاءِ سَمِعَ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: يَتَخَوَّلُنَا بِاللَّامِ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّونِ فَلَمْ يَرْجِعْ لِأَجْلِ الرِّوَايَةِ، وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ جَائِزٌ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الصَّوَابُ يَتَحَوَّلُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: يَتَطَلَّبُ أَحْوَالَنَا الَّتِي نَنْشَطُ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ. قُلْتُ: وَالصَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ كَرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، وَهُوَ فِي الْبَابِ الْآتِي. وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ وَصَحَّ الْمَعْنَى بَطَلَ الِاعْتِرَاضُ.

قَوْلُهُ: (عَلَيْنَا) أَيِ: السَّآمَةُ الطَّارِئَةُ عَلَيْنَا، أَوْ ضَمَّنَ السَّآمَةَ مَعْنَى الْمَشَقَّةِ فَعَدَّاهَا بِعَلَى، وَالصِّلَةُ مَحْذُوفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنَ الْمَوْعِظَةِ. وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ فِي الْجِدِّ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَشْيَةَ الْمَلَالِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُوَاظَبَةُ مَطْلُوبَةً لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: إِمَّا كُلَّ يَوْمٍ مَعَ عَدَمِ التَّكَلُّفِ. وَإِمَّا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَيَكُونُ يَوْمُ التَّرْكِ لِأَجْلِ الرَّاحَةِ لِيُقْبِلَ عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ، وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَالضَّابِطُ الْحَاجَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ النَّشَاطِ. وَاحْتَمَلَ عَمَلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنِ اسْتِدْلَالِهِ أَنْ يَكُونَ اقْتَدَى بِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى فِي الْيَوْمِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اقْتَدَى بِمُجَرَّدِ التَّخَلُّلِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالتَّرْكِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّخَوُّلِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ. وَأَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ كَرَاهِيَةَ تَشْبِيهة غَيْرِ الرَّوَاتِبِ بِالرَّوَاتِبِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ.

٦٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا.

[الحديث ٦٩ - طرفه في: ٦١٢٥]

قَوْلُهُ: (أَبُو التَّيَّاحِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُعَسِّرُوا) الْفَائِدَةُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِاللَّازِمِ تَأْكِيدًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى يَسِّرُوا لَصَدَقَ عَلَى مَنْ يَسَّرَ مَرَّةً وَعَسَّرَ كَثِيرًا، فَقَالَ: وَلَا تُعَسِّرُوا لِنَفْيِ التَّعْسِيرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي عَطْفِهِ عَلَيْهِ: وَلَا تُنَفِّرُوا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِطْنَابِ لَا الْإِيجَازِ.

قَوْلُهُ: (وَبَشِّرُوا) بَعْدَ قَوْلِهِ: يَسِّرُوا فِيهِ الْجِنَاسُ الْخَطِّيُّ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ بَدَلَهَا: وَسَكِّنُوا وَهِيَ الَّتِي تُقَابِلُ وَلَا تُنَفِّرُوا ; لِأَنَّ السُّكُونَ ضِدُّ النُّفُورِ، كَمَا أَنَّ ضِدَّ الْبِشَارَةِ النِّذَارَةُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ النِّذَارَةُ - وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِالشَّرِّ - فِي ابْتِدَاءِ التَّعْلِيمِ تُوجِبُ النُّفْرَةَ قُوبِلَتِ الْبِشَارَةُ بِالتَّنْفِيرِ، وَالْمُرَادُ تَأْلِيفُ مَنْ قَرُبَ إِسْلَامُهُ وَتَرْكُ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ. وَكَذَلِكَ الزَّجْرُ عَنِ الْمَعَاصِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِتَلَطُّفٍ لِيُقْبَلَ، وَكَذَا تَعَلُّيمُ الْعِلْمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّدْرِيجِ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ سَهْلًا حُبِّبَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ بِانْبِسَاطٍ، وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازْدِيَادَ، بِخِلَافِ ضِدِّهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

١٢ - بَاب مَنْ جَعَلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً

٧٠ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ جَعَلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمًا مَعْلُومًا) فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: أَيَّامًا مَعْلُومَةً، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: مَعْلُومَاتٍ، وَكَأَنَّهُ