للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَاضِيَةِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ صَفًّا وَاحِدًا، فَيَدْخُلُ الْجَمِيعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَوَصَفَهُمْ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الَّتِي جَازُوا فِيهَا عَلَى الصِّرَاطِ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى سَعَةِ الْبَابِ الَّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنَّةَ قَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِمْ مُتَمَاسِكِينَ أَنَّهُمْ عَلَى صِفَةِ الْوَقَارِ، فَلَا يُسَابِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بَلْ يَكُونُ دُخُولُهُمْ جَمِيعًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مُعْتَرِضِينَ صَفًّا وَاحِدًا، بَعْضُهُمْ بِجَنْبِ بَعْضٍ.

(تَنْبِيهٌ): هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَخُصُّ عُمُومَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَفَعَهُ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ. وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: عُمُومُ الْحَدِيثِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَبِمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ الْآيَةَ.

قُلْتُ: وَفِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ كل أَحَد عِنْدَهُ عِلْمٌ يُسْأَلُ عَنْهُ، وَكَذَا الْمَالُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ، وَبِمَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الْجَسَدِ وَالْعُمُرِ فَعَامٌّ، وَيَخُصُّ مِنَ الْمَسْئُولِينَ مَنْ ذُكِرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الرابعُ:

قَوْلُهُ: يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَيِ ابْنُ سَعْدٍ، وَصَالِحٌ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ.

قَوْلُهُ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ: إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، أُتِيَ بِالْمَوْتِ. وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ: فَإِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ أَتَى بِالْمَوْتِ مُلَبَّبًا، وَهُوَ بِمُوَحَّدَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قبل هَذَا قِصَّةُ ذَبْحِ الْمَوْتِ وَلَفْظُهُ: ثُمَّ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ، لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْمُنَادِي.

قَوْلُهُ: يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، خُلُودٌ. أَمَّا قَوْلُهُ: لَا مَوْتَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فِيهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: خُلُودٌ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بِتَقْدِيمِ نِدَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ: لَا مَوْتَ فِيهِمَا، بَلْ قَالَ: كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، وَضَبْطُ خُلُودٌ فِي الْبُخَارِيِّ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ، أَيْ هَذَا الْحَالُ مُسْتَمِرٌّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خَالِدٍ أَيْ أَنْتُمْ خَالِدُونَ فِي الْجَنَّةِ.

الْحَدِيثُ الخامسُ:

حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَوْلُهُ يُقَالُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، سَقَطَ لِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَوْلُهُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فِي مُقَابِلِهِ: يَا أَهْلَ النَّارِ.

قَوْلُهُ: لَا مَوْتَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: لَا مَوْتَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ ذَبْحِ الْمَوْتِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(تَنْبِيهٌ): مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لِتَرْجَمَةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَخْلُدُ فِيهَا، فَيَكُونُ لِلسَّابِقِ إِلَى الدُّخُولِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥١ - بَاب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ