للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا بَلْ أَبْقَاهَا عِنْدَ أَبَى بَكْرٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مَا كَانَ لِيُبْقِيَهَا فِي ضَمَانِ أَبِي بَكْرٍ لِمَا يَقْتَضِيهِ مَكَارِمُ أَخْلَاقِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُ وَالضَّمَانُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ قَبْضِ ثَمَنٍ، وَلَا سِيَّمَا وَفِي الْقِصَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِيثَارِهِ لِمَنْفَعَةِ أَبِي بَكْرٍ حَيْثُ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَّا بِالثَّمَنِ.

قُلْتُ: وَلَقَدْ تَعَسَّفَ فِي هَذَا كَمَا تَعَسَّفَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَةِ مَا يُلْجِئُ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِهِ: فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ قَبْضٍ، وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَمْ يُجْزَمْ بِالْحُكْمِ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ فَلَا حَاجَةَ لِتَحْمِيلِهِ مَا لَمْ يَتَحَمَّلْ، نَعَمْ ذِكْرُهُ لِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ مُشْعِرٌ بِاخْتِيَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ احْتِيجَ إِلَى إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ، واللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ) أَيِ: الْعَقْدُ (حَيًّا) أَيْ: بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ مُثَقَّلَةٍ (مَجْمُوعًا) أَيْ: لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَتِهِ (فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ) أَيْ: مِنَ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَجْمُوعًا وَإِسْنَادُ الْإِدْرَاكِ إِلَى الْعَقْدِ مَجَازٌ، أَيْ: مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا وَغَيْرَ مُنْفَصِلٍ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ إِذَا أَدْرَكَتْ شَيْئًا حَيًّا فَهَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِالْأَقْوَالِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ بِالْأَبْدَانِ اهـ.

وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ فِي مُعَارَضَةِ أَمْرٍ مُصَرَّحٍ بِهِ، فَابْنُ عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفُرْقَةَ بِالْأَبْدَانِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ فَحَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ أَوْلَى جَمْعًا بَيْنَ حَدِيثَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَاحْتَبَسَهُ بِالثَّمَنِ فَهَلَكَ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَرَبِيعَةُ: هُوَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ هُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَرَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ، وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ بِالْأَوَّلِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، فَمَنِ اشْتَرَطَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَعَلَهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ جَعَلَهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا قَالَ: إِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُعْطِيكَهُ حَتَّى تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ فَهَلَكَ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُبْتَاعَ فِي أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَهُوَ جَيِّدٌ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَمَّنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَطَلَبَ مَنْ يَحْمِلُهُ فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدِ احْتَرَقَ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَأَوْرَدَ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ: فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي.

وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يُقْبَضْ، بِخِلَافِ مَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ أَوْرَدَهُ هُنَاكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ أَتَمَّ مِنَ السِّيَاقِ الَّذِي هُنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

٥٨ - بَاب لَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ

٢١٣٩ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ.

[الحديث ٢١٣٩ - طرفاه في: ٢١٦٥، ٥١٤٢]