وَغَيْرِهِمَا مِثْلِهِ، وَاسْتَشْهَدَ الطَّبَرِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ أُمِّ الْعَلَاءِ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ مَشْرُوحًا، وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الْبُخَارِيِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يُخَرِّجْ هُنَا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: كَانَ ذِكْرُهُ أَلْيَقَ مِنْ هَذَا ; قَالَ وَلِأَنَّ الْيَقِينَ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوْتِ. قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ الْبُخَارِيَّ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ حَدِيثَ بَعْجَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ خَيْرُ مَا عَاشَ النَّاسُ بِهِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ هُوَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ فَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِقَوْلِ سَالِمٍ، وَمِنْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ وَإِطْلَاقُ الْيَقِينِ عَلَى الْمَوْتِ مَجَازٌ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُشَكُّ فِيهِ.
١٦ - سُورَةُ النَّحْلِ
﴿رُوحُ الْقُدُسِ﴾ جِبْرِيلُ. ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾، ﴿فِي ضَيْقٍ﴾ يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْقٌ وَضَيِّقٌ، مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ﴾ تَتَهَيَّأُ. ﴿سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا﴾ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ: تَكَفَّأُ. ﴿مُفْرَطُونَ﴾ مَنْسِيُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَمَعْنَاهَا الِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿تُسِيمُونَ﴾ تَرْعَوْنَ. ﴿شَاكِلَتِهِ﴾ نَاحِيَتِهِ. ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ الْبَيَانُ. الدِّفْءُ: مَا اسْتَدْفَأْتَ به. ﴿تُرِيحُونَ﴾ بِالْعَشِيِّ. وَ ﴿تَسْرَحُونَ﴾ بِالْغَدَاةِ. ﴿بِشِقِّ﴾ يَعْنِي الْمَشَقَّةَ. ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ تَنَقُّصٍ. ﴿الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً﴾ وَهِيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَكَذَلِكَ النَّعَمُ. الْأَنْعَامُ: جَمَاعَةُ النَّعَمِ. أَكْنَانا: وَاحِدُهَا كِنٌّ، مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ. ﴿سَرَابِيلَ﴾ قُمُصٌ. ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وَأَمَّا سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ: فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ. ﴿دَخَلا بَيْنَكُمْ﴾ كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهُوَ دَخَلٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَفَدَةً: مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا. وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ: ﴿أَنْكَاثًا﴾ هِيَ خَرْقَاءُ، كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْأُمَّةُ: مُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ.
قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم - سُورَةُ النَّحْلِ) سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: ﴿رُوحُ الْقُدُسِ﴾ جِبْرِيلُ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) أَمَّا قَوْلُهُ ﴿رُوحُ الْقُدُسِ﴾ جِبْرِيلُ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ فَذَكَرَهُ اسْتِشْهَادًا لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِبْرِيلُ اتِّفَاقًا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿رُوحُ الْقُدُسِ﴾ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ فِي اخْتِلَافِهِمْ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ مِثْلُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي تَقَلُّبِهِمْ يَقُولُ فِي أَسْفَارِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ تَكَفَّأُ) هُوَ بِالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ، وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ الْكَافِ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ قَالَ: تَكَفَّأُ بِكُمْ، وَمَعْنَى تَكَفَّأُ تُقَلَّبُ. وَرَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute