قَوْلُهُ: (بَابُ يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسْتَرَقُّونَ) أَيْ: وَلَوْ نَقَضُوا الْعَهْدَ.
أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ قِصَّةِ قَتْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي، مَبْسُوطًا فِي الْمَنَاقِبِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِرْقَاقِ، وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ)؛ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ بِالْإِشْفَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا فِي الِاسْتِرْقَاقِ، وَالَّذِي قَالَ: إِنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ وَالْجُمْهُورُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا سَبَى الْحَرْبِيُّ الذِّمِّيَّ، ثُمَّ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ الذِّمِّيَّ. وَأَغْرَبَ ابْنُ قُدَامَةَ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى خِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ تَرْجَمَ بِهِ.
[١٧٥ - باب جوائز الوفد]
١٧٦ - بَاب هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ
٣٠٥٣ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ جَوَائِزِ الْوَفْدِ)، (بَابُ هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ، إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبُّوَيْهِ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ تَأْخِيرَ تَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ عَنِ التَّرْجَمَةِ هَلْ يُسْتَشْفَعُ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ؛ فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُطَابِقٌ لِتَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ: وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ، بِخِلَافِ التَّرْجَمَةِ الْأُخْرَى، وَكَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِهَا وَأَخْلَى بَيَاضًا؛ لِيُورِدَ فِيهَا حَدِيثًا يُنَاسِبُهَا فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ. وَوَقَعَ لِلنَّسَفِيِّ حَذْفُ تَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ أَصْلًا، وَاقْتَصَرَ عَلَى تَرْجَمَةِ هَلْ يُسْتَشْفَعُ، وَأَوْرَدَ فِيهَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ، وَعَكْسُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وَفِي مُنَاسَبَتِهِ لَهَا غُمُوضٌ، وَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقْتَضِي رَفْعَ الِاسْتِشْفَاعِ، وَالْحَضُّ عَلَى إِجَازَةِ الْوَفْدِ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ لَعَلَّ إِلَى فِي التَّرْجَمَةِ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: هَلْ يُسْتَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ الْإِمَامِ؟ وَهَلْ يُعَامَلُونَ؟ وَدَلَالَةُ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَ: أَجِيزُوا الْوَفْدَ لِذَلِكَ ظَاهِرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْوَفَاةِ مِنْ آخِرِ الْمَغَازِي.
وَقَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكِتَابِ لَقَبِيصَةَ رِوَايَةٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِلَّا هَذِهِ، وَرِوَايَتُهُ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فِي هَذَا قُتَيْبَةَ بَدَلَ قَبِيصَةَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ قُتَيْبَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ سَتَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي، وَقُتَيْبَةُ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute